النظام البرلماني الكامل ضرورة لا محيد عنها

نشر في 24-06-2012
آخر تحديث 24-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. ساجد العبدلي رفعت كتلة الأغلبية مطالباتها السياسية إلى سقف عال جدا، والحقيقة أنها وصلت إلى سقف يسعدني شخصيا، فأنا ممن كانوا وما زالوا يقولون ألا حل للخروج من أزماتنا السياسية الخانقة المتكررة إلا بنظام برلماني كامل، بانتخابات على أسس جماعية تقوم على تنافس القوائم، وحكومة برلمانية منتخبة، مما سيتطلب بطبيعة الحال إجراء تعديلات دستورية جذرية واسعة.

   يقول المثل الإنكليزي: "لا جدوى من البكاء على الحليب المسكوب"، ومجلس 2012 قد صار اليوم بعد حكم المحكمة الدستورية الذي قضى ببطلانه وإعادة سابقه إلى الانعقاد حليبا مسكوبا، ولهذا فإن الحكمة تقتضي أن يتحرك الجميع، وبالأخص كتلة الأغلبية ومناصريها، إلى الأمام وأن ينظروا إلى الخطوة التالية، وإلى ما يتحتم فعله من الآن فصاعدا، بدلا من إضاعة الوقت في محاولة التصدي للحكم سياسيا أو محاولة إيجاد الثغرات فيه أو إلقاء ظلال الشك حوله بدعوى أنه حكم مسيس وما شابه ذلك، فهذا لن يجدي نفعا، ناهيك عن أنه تنقصه الحكمة.

يجب أن نعترف بأن حل مجلس 2009 بالطريقة غير الدستورية التي أثبتتها المحكمة الدستورية، بعدما كان قد تحدث عنها بعض الخبراء آنذاك وحذروا من خطورتها، ومنهم الخبير الدستوري الدكتور محمد المقاطع على سبيل المثال، جاء متوافقا مع إرادة تيار المعارضة، بنوابه ومناصريه، ونحن منهم، ولذلك صممنا آذاننا جميعا عن سماع الأصوات التي قالت بعدم دستورية الحل، وثملنا في سكرة التخلص من ذلك البرلمان السيئ، بأي طريقة كانت. لهذا فالمسؤولية مشتركة، وإن كان يتحمل الوزر الأكبر منها خبراء الحكومة ومستشاروها الدستوريون الذين أصروا على صحة مرسوم الحل في وقته.

وليس مرادي من هذا القول أن أشير بإصبع الاتهام إلى ناحية أي طرف، فلا فائدة من ذلك كما أسلفت، إنما المراد القول إن هذا الاندفاع المحموم تجاه الأشياء، دون التثبت منها ودون استكمال أبعادها الموضوعية بالرجوع للرأي المتخصص وعدم تجاوزه، صار هو السمة الغالبة والسائدة لكل حراك مشهدنا السياسي. برلمان 2009 تم حله، وثبت اليوم بعد أشهر بأن قرار الحل كان خاطئا دستوريا. عقد "كي-داو" تم إلغاؤه بقرار سياسي وثبت اليوم بعد سنوات بأن قرار الإلغاء كان خاطئا وسيترتب على الكويت من جرائه غرامة مليارية ضخمة، وغير ذلك الكثير مما نعلم، وربما لا نعلم، من القرارات السياسية التي لطالما جاءت متسرعة قافزة فوق الرأي العلمي الموضوعي المتخصص.

في المقابل، فإن كتلة الأغلبية، وأمام إبطال برلمان 2012 أصدرت بيانا شديدا، رفعت به مطالباتها السياسية إلى سقف عال جدا، والحقيقة أنها وصلت إلى سقف يسعدني شخصيا، فأنا ممن كانوا وما زالوا يقولون ألا حل للخروج من أزماتنا السياسية الخانقة المتكررة إلا بنظام برلماني كامل، بانتخابات على أسس جماعية تقوم على تنافس القوائم، وحكومة برلمانية منتخبة، مما سيتطلب بطبيعة الحال إجراء تعديلات دستورية جذرية واسعة، لكن ما يقلقني الآن هو أن وصول كتلة الأغلبية بمطالباتها إلى هذا السقف العالي لم يأت من باب القناعة والنظرة المسبقة، وإنما -وكالعادة- جاء كردة فعل على ما رأته هذه الكتلة عبثا واستبدادا من السلطة.

المواقف السياسية الحادة الناتجة عن ردود الفعل لا قيمة لها، فالواقع قد أثبت لنا مرات عديدة أنها في الأغلب تنتهي لأن تكون مجرد فرقعات إعلامية لا أكثر، وموقف كتلة الأغلبية هذه المرة لم يخرج كذلك عن دائرة رد الفعل الغاضب المعهود. ومع ذلك سآمل أن أكون مخطئا في تقديري، ولهذا سأنتظر خلال الأيام القادمة أن تأتي الكتلة، وهي التي أعلنت أنها في حالة انعقاد كامل منذ ساعة إبطال برلمان 2012، بما يكفي من التصورات والطروحات الموضوعية كي تثبت أنها جادة فيما أعلنت، وأنها تعرف وتدرك تماما كيف ستصل إلى تنفيذ التعديلات الدستورية التي ستوصلنا إلى نظام برلماني كامل، على حد تعبيرها، وهو الذي قالت إنه أضحى ضرورة لا محيد عنها!

back to top