اليونسكو تحتفل باليوم العالمي للكتاب... هل تنجو الثقافة من حضارة الفرجة؟

نشر في 23-04-2012 | 00:02
آخر تحديث 23-04-2012 | 00:02
No Image Caption
يصادف اليوم 23 أبريل ذكرى وفاة الكاتب المسرحي المشهور وليم شكسبير والروائي ميغيل دي سرفانتس، ويوافق أيضاً احتفال اليونسكو باليوم العالمي للكتاب وحقوق الإنسان، وهو احتفال يرمي إلى تعزيز القراءة والنشر وحماية الملكية الفكرية من خلال حماية حقوق المؤلف.

في احتفالها باليوم العالمي للكتاب، تصبّ اليونيسكو تركيزها هذا العام على الترجمة محتفلةً بمرور 80 عاماً على إنشاء فهرس الترجمات، وهو عبارة عن قاعدة بيانات للترجمات تشمل معلومات تم توفيرها من المكتبات الوطنية، والمترجمين، واللغويين، والباحثين وقواعد البيانات من جميع أرجاء العالم. ذكرت المنظمة فى بيان لها: «23 أبريل/ نيسان هو تاريخ رمزي في عالم الأدب العالمي، ففي هذا التاريخ من عام 1616، توفي كل من ميغيل دي سرفانتس ووليم شكسبير والاينكا دي لافيغا، كذلك يصادف اليوم نفسه ذكرى ميلاد أو وفاة عدد من الأدباء المرموقين مثل موريس درويون، وهالدور ك. لاكسنس، وفلاديمير نابوكوف، وجوزيب بال، ومانويل ميخيا فاييخو».

وتخصص اليونسكو هذا اليوم لإبراز مكانة المؤلفين وأهمية الكتب على الصعيد العالمي، ولتشجيع الناس، خصوصاً الشباب، على اكتشاف متعة القراءة واحترام الإسهامات الفريدة التي قدمها أدباء دفعوا بتقدم البشرية الاجتماعي والثقافي إلى الأمام.

حفلت المنابر الثقافية بتعليقات وتحقيقات حول الكتاب ومتسقبله والقارئ وعلاقته بالكتاب، والروائي وعلاقته بالكتابة! أسئلة كثيرة تطرح في هذه المناسبة، وتكون إجاباتها معروفة سلفاً، بين القليل من الأمل والكثير من التشاؤم، لا سيما في العالم العربي الذي اعتاد أهل الثقافة والنشر فيه على «النق» والقنوط، مع قلة قليلة تنتج الثقافة وتنظر إلى الأمور بعين واقعية.

يرفض أحد المفكرين في بيروت مقولة إن العرب لا يقرأون، ويطرح سؤال ملحاً: ماذا يقرأ العرب ومتى يقرأون؟ سؤال لا يطاول العالم العربي فحسب بل البلدان الأوروبية والغربية عموماً. ويعتبر المفكر نفسه أن الحديث عن أن طوفان الإنترنت خطف الشبان العرب من القراءة فيه شيء من الاعتباطية والتسطيح، فالقراءة في الإنترنت هي أيضاً قراءة، وهي أحد أشكال تحول وسائل المعرفة في زمن تحول أنواع الوسائط والميديا. وليس ضرورياً أن يبقى القارئ مرتبطا بالثقافة المنتجة ورقياً أو بمعنى آخر الكتب التقليدية.

لا جدل في أن سؤال المفكر واستنتاجه يتضمنان شيئاً من الواقعية، فالعالم العربي يقرأ ولكن القراءة فيه أقرب إلى موجات وموضة، أو لنقل إن القراءة فيه انعكاس لسياسيات وإيديولوجيات وثقافات بصرية ودينية. ففي إحدى المراحل راجت القراءات اليسارية والأفكار القومية العربية آبان الزمن السوفياتي والناصري، وفي مرحلة أخرى راجت موجات ثقافة الأصوليات والخمينية، من دون أن ننسى موجة الشعوذة وتفسير الأحلام والطهاة. وفي السنوات الأخيرة راجت موجة روايات كشف المستور والجسد، خصوصاً السعودية واللبنانية والمصرية. بناء على هذا، يرتبط الكتاب والقراءة بواقع ما، واندفاع القارئ إلى كتاب بعينه له أسبابه السيكولوجية والسياسية والثقافية والدينية والاجتماعية، فأن يتحول كتاب «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي إلى أسطورة في وعي القراء ففي ذلك سر ما، والأمر نفسه في رواية «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني ورواية «بنات الرياض» لرجاء الصانع، واللافت أنّ كثراً يشترون الكتب ويضعونها على رفوف مكتباتهم ولا يقرأونها. وكل له أسبابه في الشراء، فالبعض يجمع الكتب الموقعة من المؤلفين، وبالعض الآخر يشتري الكتب ذات التجليد المميز والفخم التي تبدو في الواجهة كضرائح أو جثث محنطة.

مكتبات

في يوم الاحتفال بالكتاب، ينبغي أن نتأمل قليلاً في أحوال المكتبات في بيروت. صارت المكتبات العامة من الماضي، ولم تنفع محاولات بعض الجمعيات الثقافية في تأسيس بيئة ثقافية لتعويد الجمهور على قراءة الكتب، فيبدو الجمهور الشبابي أكثر اندفاعاً إلى الألعاب الإكترونية من الكتب وورقها، وقلة هم الذين يقصدون هذه المكتبات لاستعارة بعض الكتب للاطلاع عليها أو للاستعانة فيها في أبحاثهم. يبدو أن الجيل الشبابي أكثر ميلاً إلى الثقافة البصرية والإنترنت، حتى إن بعضهم يصف القراءة في أنها نوع من قصاص، ولا عجب في ذلك ما دامت الفكرة التي يريدها الشاب من شيء ما يمكن له أن يراها في فيلم سينمائي أو على تسجيل «يوتيوب» مدته محدودة ويتضمن الكثير من المعاني. على عكس الكتاب الذي ينتمي إلى «زمن البطء» ويحتاج إلى أيام أو أسابيع لقراءته، وثمة كتب كلاسيكية يصعب على قارئ اليوم أن يتحمل قراءة صفحة فيها. على أن بعض الكتب الرائجة تشبه إلى حد ما ثقافة الإنترنت والمدونات، فيقرأ المرء مقاطع منها من هناك وهناك، أي أنه ينظر إليها بطريقة عرضية للتسلية وتزجية الوقت.

في بيروت نلاحظ ازدهار المكتبات التي تبيع أدوات القرطاسية في مقابل تراجع المكتبات الأدبية. فمنذ سنوات قليلة أقفلت مكتبة رأس بيروت العريقة، طردتها «ثقافة الإعمار» من شارع «بلس» ولا نعرف إن كانت وجدت مكاناً مناسباً لتفتتح مجدداً، وثمة مكتبات أخرى أقفلت في شارع المقدسي بعد طفرة مقاهي النراجيل والملاهي الليلية في بيروت. تغير مشهد المدينة برمته وتحول رأس بيروت إلى مقهى كبيراً، يحتوى على بعض المكتبات التي تقاوم في ظل ارتفاع أسعار العقارات. فقد أستأجر خالد مغربي صاحب «مكتبة المعري» مكتبته في المرة الأولى بنحو 700 دولار شهرياً في مكان رحب ومميز، وحين انتهى عقد الإيجار بعد سنتين طلب صاحب المحل 3000 دولار شهرياً، فلم يستطع مغربي البقاء في المحل نفسه الذي تحول مقهى للنراجيل، وانتقل إلى محل آخر بمساحة ضيقة وبعد أشهر طلب صاحب المحل زيادة في الإيجار أيضاً، فانتقل إلى محل ثالث ليصطدم بالمشكلة نفسها، فعمد أخيراً إلى إقفال مكتبته بانتظار أن يجد محلاً يستطيع تأمين إيجاره. يقول مغربي: «يتصرف مالكو العقارات معي وكأني أبيع الذهب والألماس». و{المعري» إحدى المكتبات القليلة التي كانت تؤمن الكتب مع تخفيضات محددة للقراء.

شكوى أصحاب المكتبات من ارتفاع أسعار العقارات في بيروت تقابله شكوى أصحاب دور النشر من القرصنة الإنترنتية، إذ يعمد البعض إلى تصوير الكتب المهمة الرائجة ونشرها عبر الإنترنت من خلال مواقع في بعض البلدان العربية والأجنبية، ما يساهم في تقلص مبيعات الكتب ويشكل خطراً على دور النشر وعلى المؤلفين في ظل غياب القوانين التي تردع المقرصنين عن أفعالهم.

منتهى القول، سواء قرأ العرب أم لم يقرأوا، سواء كان القارئ العربي ديناصوراً أخيراً أم منقرضاً، ثمة واقع جديد فرضته التحولات المعلوماتية، وهذه التحولات تفرض حضورها في الحاضر وفي المستقبل، وعلى هذا لا عجب في أن يتوقع الروائي فرغاس يوسا في كتابه «حضارة الفرجة» زوال الثقافة، وهو ذكر: «يمنح المفكر أهمية إذا ما ساير لعبة الموضة، وأصبح مهرجاً»، مؤكداً أن الرغبة في التسلية «أمر مشروع»، لكن أن تتحول إلى قيمة عُليا، حينذاك تترتب عليها عواقب وخيمة، فالرغبة في التسلية تؤثر في الأدب، وتجعل كل ما هو «خفيف» أن ينتصر». وينتقد الكاتب أيضاً المساحة الواسعة التي تخصص للموضة والمطبخ في الأقسام الثقافية، مشيراً إلى أن «الطهاة» ومصممي الأزياء «استحوذوا على دور البطولة الذي كان رجال العلم، والمؤلفون، والفلاسفة، يؤدونه في ما مضى».

يريفان عاصمة عالميَّة للكتاب

تطلق اليونسكو اليوم احتفالات في مدينة يريفان، التي اُختيرت «عاصمة عالمية للكتاب لعام 2012». وتحصل العاصمة الأرمينية على هذا الامتياز بعد مدينة بوينس أيرس (2011) وقبل مدينة بانكوك (2013).

ووفقاً لأعضاء لجنة الاختيار، فإن يريفان اُختيرت نظراً إلى «المستوى الرفيع للبرنامج الذي اقترحته، لأنه برنامج مفصل وواقعي ومرتبط بالنسيج الاجتماعي للمدينة، وله طابع عالمي ويسلط الضوء على جميع الأطراف المعنية بصناعة الكتاب». وتتألف هذه اللجنة من مهنيين يتبعون اليونسكو ورابطة الناشرين الدولية والاتحاد الدولي لرابطات المكتبات وأمناء المكتبات.

ويُمنح لقب «المدينة عاصمة الكتاب العالمية» كل عام تقديراً للبرامج التي تقترحها السلطات البلدية في المدينة المعنية التي ترمي إلى تعزيز الكتب والقراءة. وتحتفظ المدن التي اختيرت بهذا اللقب لمدة 365 يوماً ابتداءً من 23 أبريل.

back to top