يمكنك أن تطلق عليها عملية إنقاذ صامتة، لأنه بعد عدة محاولات فاشلة وافق وزراء مالية منطقة اليورو أخيراً في نهايات الشهر الماضي على إعادة هيكلة ديون اليونان بصورة جزئية، وعرض إجراءات عديدة أخرى من أجل تخفيف أعباء اليونان المالية. ويرمي هذا العمل في إطاره الإجمالي إلى خفض ديون ذلك البلد بما يصل إلى 20 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بحلول سنة 2020- مع وعد بتقديم المزيد من العون المالي في حال التزام أثينا ببرنامجها المتعلق بالتكيف والتعديل.

Ad

ويأتي هذا الوعد بالإغاثة وصرف الشريحة التي طال انتظارها من المساعدة المالية التي تصل إلى 34.4 مليار يورو في شهر ديسمبر الحالي، وهي خاضعة لموافقة من جانب البرلمانات الوطنية في الوقت الملائم تماماً بالنسبة إلى اليونان التي استمر اقتصادها في حال سقوط حر طوال خمس سنوات. وقد شهدت أزمة أثينا فجراً زائفاً في العديد من المرات، وثمة أسئلة متعددة مفتوحة حتى في ما يتعلق بالخطة الأخيرة في هذا الصدد. غير أن الأمل يتمثل في أن تفضي تلك الخطة إلى المساعدة على استعادة درجة من الثقة بشأن مستقبل اليونان، وأن تجعل منطقة اليورو تبدو أقل هشاشة.

وقال وزير المالية اليوناني يانيس ستورناراس إن افتراضات الاتفاقية المذكورة كانت تنطوي على قدر كبير من التشاؤم إزاء قدرة اليونان وعلى الدهشة في الجانب الإيجابي. كما مضى إلى حد التطرق إلى استعراض أمله في إرضاء الأسواق خلال العامين المقبلين.

تحقق الاتفاق بعد مفاوضات مضنية وشاقة ومن جانب صندوق النقد الدولي في المقام الأول. وكانت عملية الإنقاذ الثانية لليونان التي تمت الموافقة عليها في وقت مبكر من هذه السنة بعد دفع الدائنين من القطاع الخاص إلى قبول نسبة تبلغ 50 في المئة ضمن ما أطلق عليه "مشاركة القطاع الخاص"، قد خرجت بسرعة عن مسارها نتيجة استمرار الاقتصاد اليوناني في الانكماش واضطراب الوضع السياسي فيها بحيث تطلب تشكيل حكومة قادرة على العمل إجراء انتخابين.

ومع وجود رئيس وزراء جديد هو أنتونيس ساماراس وائتلاف إصلاحي بقدر أكبر، أصبحت اليونان في حاجة إلى ما يماثل عملية انقاذ ثالثة- رغم أن لا أحد يستخدم هذا التعبير. وما هو أكثر صعوبة وقسوة لكون اليونان في حاجة أيضاً إلى عون في الديون من قبل القطاع الرسمي الذي يحمل الجزء الأكبر من الديون (والذي يتوقع أن يطلق عليه مشاركة القطاع الرسمي).

كانت المفاوضات قد جرت على مرحلتين -الأولى هي وجوب إعادة اليونان إلى مسار خفض العجز المالي. وتمت الموافقة على تحقيق خفض في الميزانية بما يقارب الـ7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في وقت سابق من شهر نوفمبر الماضي. وفي مقابل ذلك تم منح أثينا سنتين إضافيتين من أجل تمكينها من بلوغ هدفها المتمثل في تحقيق فائض أولي في الميزانية، أي قبل دفع الفوائد الذي يبلغ 4.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتمثلت المرحلة الثانية في وجوب إقناع الدول الدائنة، بقيادة ألمانيا، بعمل المزيد من أجل خفض تراكم ديون اليونان. وقد تبين أن هذه المسألة كانت أكثر صعوبة، حيث اقتضت وضع صندوق النقد الدولي في مواجهة الدول الدائنة. كما أنه حتى مع أحدث إجراءات شد الأحزمة كانت اليونان تواجه إمكانية التخلف عن بلوغ هدفها في معدل الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي وبهامش عريض. وكان يفترض أن تتمكن اليونان من خفض ذلك المعدل إلى 120 في المئة بحلول سنة 2020، غير أن الخبراء قالوا إنه على الطريق نحو بلوغ 144 في المئة.

وفي البدء أصر صندوق النقد الدولي على معدل ديون/الناتج المحلي 120 في المئة في سنة 2020، لكنه وافق بعد ذلك على تسوية تقضي بتحقيق معدل يصل إلى 124 في المئة، غير أنه في المقابل حصل على وعد بأن يصل المعدل إلى مستوى جوهري دون 110 في المئة بحلول سنة 2022.

وقد تم استبعاد التوقع الذي يشير إلى إمكانية قيام اليونان بتسديد ديونها عند معدلات أعلى من خلال تحقيقها فائضا أوليا أعلى في الميزانية يصل إلى 5 في المئة أو حتى 5.5 في المئة، على اعتبار أن ذلك التوقع غير قابل للتطبيق، (ولن تتمكن اليونان من الوصول إلى توازن أولي في الميزانية قبل حلول السنة المقبلة على أقل تقدير). ثم إن الطريقة الأكثر سهولة من أجل خفض أعباء الديون- من خلال القيام ببساطة بشطب البعض من تلك الديون- قد اعتبر مطلباً مبالغاً جداً بالنسبة إلى الدول الدائنة نتيجة تعرضها لمتاعب سياسية داخلية.

ويتمثل الحل في اتخاذ إجراءات مباشرة ترمي إلى إظهار المصداقية، ومن ثم تقديم وعود بالقيام بمزيد من تلك الإجراءات في المستقبل إذا دعت الضرورة إلى ذلك. ويشمل الاتفاق خفض فوائد اليونان على قروض الإنقاذ المالي بـ100 نقطة أساس ومضاعفة موعد الاستحقاق من 15 سنة إلى 30 سنة، وتأجيل دفع الفوائد 10 سنوات، وإعادة دفع إلى اليونان الأرباح التي يحققها البنك المركزي الأوروبي من خلال قروض اليونان التي حصلت عليها، في محاولة لخفض تكلفة الاقتراض بالنسبة إلى ذلك البلد وضخ المزيد من الأموال في اليونان من خلال صناديق الاتحاد الأوروبي.

من جهة أخرى، ورغم دعمه الظاهري، فإن صندوق النقد الدولي لايزال يبدو أن لديه تحفظات. فقد قال إنه لن يتمكن من توقيع البرنامج- وتقديم نصيبه من مبلغ الـ34.4 مليار يورو الى أن يرى كم ستتمكن خطة إعادة شراء الديون، وهي أيضاً جزء من التسوية، من طرح نتائج. وستحاول اليونان خفض أعباء ديونها عن طريق استعادة شراء سنداتها بأسعار مخفضة جداً.

ويتعين القول إن هذه الخطوات كلها مساعدة، غير أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي يعترفون بأن على اليونان أن تكون "محظوظة للغاية" كي تتمكن من المضي من دون جولة جديدة من إعادة هيكلة ديونها. ولهذا السبب يعمد صندوق النقد الدولي إلى اشتراط المزيد بشأن اليونان في مراحل لاحقة قائلاً:

"ستنظر الدول الأعضاء في منطقة اليورو في اتخاذ المزيد من الإجراءات وتقديم مساعدة تشمل المشاركة في تمويل صناديق هيكلية أو تحقيق مزيد من الخفض في معدلات الفائدة على ديون اليونان، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، من أجل تحقيق قدر أكبر من المصداقية والاستدامة في ما يتعلق بمعدلات الديون مقابل الناتج المحلي الإجمالي في اليونان، وذلك عندما يتمكن ذلك البلد من بلوغ فائض سنوي أولي...".

ذلك لم يكن تماماً التساهل الواضح إزاء ديون اليونان الذي أراده صندوق النقد الدولي، ولكنه قد يبلغ تلك النقطة. وتدرك منطقة اليورو أن عليها تحمل خسائر من أجل إبقاء اليونان داخل النادي، كما أن خفض معدلات الفوائد يعني أن إيطاليا وإسبانيا تقدمان قروضاً إلى اليونان بنسبة تقل عن معدل اقتراضهما، ولكنهما تحسبان أنه في الأجل الطويل، فإن الاستقرار في منطقة اليورو يخدم مصالحهما. ومن وجهة نظر ألمانيا فإن المسألة تأجلت إلى ما بعد الانتخابات التي من المقرر أن تجري في خريف سنة 2013.

Charlemagne