هل تتوقف تلك القوارب؟

وكان الزعماء العرب يشاركون في لعبة الهجرة هذه، ويستخدمونها ورقة ضغط ضد الدول الأوروبية، لذلك كان معمر القذافي قبل اغتياله يهدد فرنسا وإيطاليا بأن سيفتح المجال على مصراعيه لتدفق السفن الشراعية إلى هاتين الدولتين. وتقلق الهجرة الزعماء الأوروبيين باعتبارها مسألة إنسانية بالدرجة الأولى، ثم تتبعها المناحي الثقافية والاجتماعية، فهذه الدول التي تعاني الشيخوخة لا تمانع بتدفق الشباب العربي المعطاء، ولكن عبر تقنين معين، واختيار الصفوة المثقفة والمتعلّمة، وهو ما لا يتحقق عبر السفن الشراعية. قضية الهجرة بكل تعقيداتها ستبقى هاجسا يقلق كيانات الأوطان الأوروبية، فالتخوّف الشديد من مظاهر الإسلام السياسي، وكذلك قضية الجذور، والهجرة المضادة، تبقى عوامل تدق في رأس المهاجرين وأبنائهم، إذ أدرك هؤلاء الأوربيون صعوبة تخلي المهاجرين المسلمين عن عاداتهم المشرقية، وتعاليم دينهم، لذلك هم يدعون إلى ما يسمونه "التنوّع في إطار الوحدة"، وبحسب د. سعيد اللاوندي، - وهو صاحب أطروحات كثيرة في هذا المجال- "فإن هذا المنهج يقوم على أساس يشبه الفسيفساء التي تضم قطعا من أشكال وألوان متباينة، ولكن ضمن إطار مشترك يحافظ على بعض الأساسيات، مع السماح بالتباينات الثقافية والاجتماعية التي تزيد ثقافة المجتمع ثراء، وعلى هذا الأساس فإنه يتعين على المهاجرين الجدد، احترام الأسس الديمقراطية للحكم في الأوطان الجديدة، وتعلم اللغة السائدة، واحترام التاريخ الوطني للبلدان التي يأوون إليها". والآن وبعد مرور ما يربو على ستة عقود من حكم العسكر في الأوطان العربية، وما تبعها من تردٍ في كل مناحي الحياة، هل يعيد "الربيع الجديد" شيئا من الأمل؟ وهل تتوقف موجة الهجرة والنزوح هذه؟... قد يستغرق الأمر بعض السنوات، ولا أريد أن أقول عقودا أخرى.