تتواتر الأخبار، ويتناقل الناس ممارسات وأقوالاً طائفية خطيرة يبثها سياسيون وأعضاء في مجلس الأمة 2012 المبطل دستورياً، خلال زيارات لهم لدواوين مناطق الدائرة الأولى الانتخابية في الليالي الرمضانية، إعداداً للانتخابات المقبلة التي يُتوقَّع أن تكون في هذه الدائرة تحديداً ذات طابع طائفي أشد من الانتخابات السابقة، ويُنقَل على لسان مرشح محسوب على تيار ديني في أحد دواوين المنطقة، منذ أيام قوله إن "الشيعة كلونا... ويجب يا شباب أن ننسق أكثر في الانتخابات الجاية"، وفي المقابل فإن الطرف الآخر يتحرك ويبحث كيفية استعادة المقعد الشيعي الذي فُقِد في انتخابات فبراير الماضي، بينما في دوائر أخرى أعلنت عدة قبائل إجراء انتخاباتها الفرعية في سبتمبر المقبل. هذا المشهد الخطير للبلد بشقيه الطائفي والعرقي، ألا يستدعي من القيادة السياسية أن تتصدى له؟ وكذلك القوى السياسية وكل المعنيين بالشأن العام أن يتوقفوا عن الدوران في حلقة الزار التي تدور في البلد، ويملأ صخبها كل الساحات، ليضعوا الحلول لهذا الانقسام الخطير والتسخين الدائم لكل مكونات المجتمع حتى الوصول إلى نقطة الصدام المدمرة التي عاشها من قبل لبنان نتيجة لأحداث مشابهة منذ عقد الخمسينيات في القرن الماضي، وكذلك حادثة "بوسطة عين الرمانة" في منتصف السبعينيات التي أشعلت الحرب الأهلية، والتي كانت حدودها مرسومة مسبقاً بواسطة توزيع الدوائر الانتخابية، الطائفي والعرقي، والممارسات التقسيمية لزعماء الطوائف والجماعات السياسية اللبنانية. وفي الكويت، نرى السيناريو يتكرر، فالطوائف ستتواجه مجدداً انتخابياً في أكثر من دائرة، والقبائل الكبرى ستفرض سيطرتها على دائرتين انتخابيتين، وستهمش القبائل الصغيرة والأقليات ومناطق "الجهراء" وتمنعها من أن تتمثل نيابياً بشكل عادل، بسبب عيوب خطيرة في النظام الانتخابي، أهمها منح الناخب حق الانتخاب لأربعة ممثلين له، بينما الغالبية الكاسحة للنظم الديمقراطية الانتخابية تقصر ذلك الحق على صوت واحد أو قائمة انتخابية أو نسبية في نظام حزبي مقنن، وإذا تمت الانتخابات المقبلة بنفس النظام الانتخابي القائم حالياً بعيوبه المعلومة فإننا سنعيد إنتاج مجلس 2012 بكل سلبياته الكبيرة والمدمرة. تلك العيوب الانتخابية بحاجة إلى قرار شجاع وجريء من القيادة السياسية لإنقاذ البلد، دون الالتفات إلى التهديدات التي تنطلق غالباً من حسابات ذاتية سياسية وانتخابية، فمنع انزلاق الكويت إلى التفتت الطائفي والعرقي هو أمانة موكلة إلى القيادة السياسية لحفظ الأمن الوطني، والتي أدركها المشرّع الدستوري بمنح الأمير حق إصدار مراسيم الضرورة، ووضعها لاحقاً في عهدة نواب الأمة للبت فيها بعد انتخابهم لقول كلمة الشعب حيالها في ممارسة دستورية كاملة وسليمة. أما التهديد والوعيد وفرض رأي فئة أو جماعة تدّعي حصرياً وكالة الأمة فهو أمر يجب أن يتم تجاوزه بعد الأزمات والمشاكل التي مرت بها البلاد بشكل عبثي ومستمر، ونتيجةً لها أدركت غالبية الكويتيين أنه لا طائل منها، ولذلك كانت استجابتهم لدعوات التجمع الأخيرة ضعيفة جداً، وتكاد أن تكون معدومة، باستثناء الوجوه المعتادة من مجلس 2012 والحلقة الضيقة من مناصريهم، كما أن الدعوات إلى الزج مرة أخرى بالمحكمة الدستورية في قضية الدوائر الانتخابية ستمثل إحراجاً لها، ومبالغة في وضع القضاء في المشهد السياسي ذي المنازعات السياسية، وهو ما يمثل ضغطاً غير مبرر على السلطة القضائية، ولذلك فإن الأغلبية الصامتة والخائفة من استمرار تداعيات الأزمة السياسية في البلاد تتطلع إلى علاج عميق وسريع للتمثيل النيابي عبر معالجة النظام الانتخابي رغم ضجيج وصراخ أصحاب التهديدات التي لا تعبر عن الواقع الشعبي الذي يسعى إلى طي مرحلة الأزمات، ومنع مخاطر التشرذم والصدام الطائفي والعرقي في البلد.
Ad