فايز وفوزي... هما قضية وطن!
لا أعتقد أن هناك حاجة للبدء بمقدمة طويلة للحديث عن معتقل غوانتانامو الشهير، ذلك المعسكر الاعتقالي المرعب الذي أنشأته الولايات المتحدة الأميركية في عام 2002 في عهد الرئيس السابق جورج بوش، خارج أراضيها وبعيداً عن صلاحيات وسلطات قوانينها الدستورية، لاعتقال من تشاء من أي مكان في العالم، دون تهم واضحة ولا محاكمات، وبطريقة تتنافى مع كل المقاييس والمعايير الأخلاقية والإنسانية. لا حاجة إلى هذا لأن هذا المعتقل قد صار اليوم معروفاً لكل العالم، بل صار العلامة الأبرز، من ضمن عشرات العلامات الأخرى، الدالة على زيف ادعاءات أميركا حول صيانتها ورعايتها لحقوق الإنسان وتمسكها بالعدالة والحرية.ويكفي الراغب في هذا السياق ضغطة زر واحدة في أي من محركات البحث على الإنترنت، لتظهر له عشرات المواقع والمقالات والتقارير والصور، بكل اللغات، لتبين له وتكشف مدى فظاعة ما يجري هناك من تعذيب واعتداء وانتهاك لكل معايير حقوق الإنسان.
هذا المعتقل، ليس سبّة عار في جبين الولايات المتحدة الأميركية فحسب، بل هو سبّة عار في جبين العالم بأسره، وبالأخص دوله الكبرى، فهي التي ظلت صامتة طوال هذه السنوات، ولا تزال، إزاء هذا الانحدار الأخلاقي والتعدي الفاحش لأبسط المعايير الإنسانية، والذي يجري على مرأى ومسمع منها، دون أي اعتراض ذي قيمة! إذن فمعتقل غوانتانامو هو قضية عالمية في المقام الأول، لأنه ما دام لأميركا الحق أن يكون لها هذا المعتقل، فمن حق كل الدول الأخرى أن يصبح لها معتقلاتها المشابهة، ولتذهب العدالة والحقوق المزعومة إلى الجحيم!لكن غوانتانامو يعني لنا نحن الكويتيين أكثر من ذلك، لأن لنا في هذا المعتقل اثنين من أبناء هذا الوطن، هما فايز الكندري وفوزي العودة، واللذين تم اعتقالهما منذ أكثر من عشر سنوات وأربعة أشهر، تعرضا خلالها لأبشع أنواع التعذيب وأقسى درجات المعاناة، ولم يطلق سراحهما حتى الساعة، بالرغم من أنه لم يقدما في يوم من الأيام للمحاكمة، ناهيك عن أنه لم تثبت عليهما أي تهمة أصلاً. لذلك فإن القضية يجب أن تكون قضية الكويت بأسرها، حكومة وبرلماناً وإعلاماً وشعباً، وليست قضية أسرتي الكندري والعودة والمتعاطفين معهما فحسب. هذا هو ما نفهمه، لذلك نستغرب كل الاستغراب ألا يكون للحكومة موقف واضح وصريح تجاه الأمر، وألا تكون لها تحركاتها المعلنة والصريحة والقوية للسعي لإطلاق سراحهما. ومن المؤلم حقاً أن نجد في الاعتصامات والفعاليات التي تقام، بين وقت وآخر، للمطالبة بإطلاق سراح فايز وفوزي اتهامات للحكومة بالتقاعس عن دورها المفترض في هذا الصدد، لأننا لا نفهم لماذا تتقاعس الحكومة عن ذلك ولماذا تتخلى عن دورها، وتترك ابنين من أبناء هذا الوطن في ذلك المعتقل، دون أن تكون قد ثبتت عليهما تهمة فعلاً؟!لم يعد هناك مجال للتقاعس، وصار من اللازم أن يكون هناك موقف حكومي مباشر من الموضوع، وأن تباشر الحكومة باستخدام كل الوسائل والأدوات المتاحة بيدها لتخليص فايز وفوزي من براثن الظلم الأميركي، ونحن جميعاً ندرك أن بيدها الكثير والكثير من هذه الأدوات، لو هي فقط امتلكت الشجاعة لاستخدامها للضغط على الجانب الأميركي. نقول هذا لأننا جميعاً نعلم أن المصالح الأميركية في الكويت كثيرة، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وهذه المصالح، لو تشجعت حكومتنا قليلاً فقط وامتلكت زمام المبادرة، تعطينا قوة تفاوضية ضاغطة كبيرة، سواء لاسترجاع فايز وفوزي، أو لكل القضايا الأخرى.هذا التردد الحكومي لا يجب أن يستمر، وإن كان الأمر سيظل كذلك، فالواجب على البرلمان أن يمارس سلطته تجاه الأمر وأن يضغط على الحكومة بدوره، وإن كان البرلمان يعجز عن ذلك، فليس من خيار سوى التحرك الشعبي المستمر ضد كل هذه الأطراف، وضد أميركا نفسها في المقام الأول!