الخلاف في الموقف السياسي على أشده، والاصطفافات بأشكالها المذهبية والفئوية باتت عميقة، والعناد السياسي والتصلب الحاد بين المعارضة والحكومة مع كل تبعات تلك السلبية والوقوع في أخطاء من الجانبين من الأمور التي بلغت مستوى غير مسبوق، هذه شواهد تعكس طبيعة المشهد العام، والتعاطي مع هذا المشهد أصبح مسلحاً بكل وسائل التعبير عن الرأي إعلامياً وميدانياً حتى شمل مختلف العبارات السوقية والخطاب التحريضي والكلام البذيء وصولاً إلى الصدام والاحتكاك البدني.
إلى هذه المرحلة قد تكون الأمور مقبولة كأمر واقع رغم مرارتها وما تحمل من نتائج سيئة وعواقب وخيمة على الاستقرار العام في الدولة، ولا يخلو أي مجتمع في الكون من هكذا مشاهد مع التفاوت في الحجم والمستوى.ولكن البدعة الجديدة في المشهد الكويتي هذه الأيام تتمثل بالترويج لعبارة الانقلاب على النظام وبشكل منهجي ومنظم، وهذه طامة كبرى يجب أن يتحمل مسؤوليتها من يطبل لها سواء من منطلقات عفوية ساذجة وغبية، أو بتعمد وخبث كسلاح يحسبونه فعالاً لتخوين خصومهم وإثارة الخوف في قلوب الناس.أما السذج والأغبياء الذين يرددون كلام الغير دون إدراك أو وعي رغم مشاركتهم في نشر مثل هذه الثقافة، فأمرهم إلى الله في ظل حالة التشنج والتعبئة الإعلامية والاجتماعية. أما من يتعمد ترويج هذا الاتهام كسلاح للمواجهة بعدما عجز عن مقارعة الحجة بالحجة، والرأي في مقابل الرأي الآخر مهما كانت الاختلافات عميقة، فقد وقعوا في خطأ جسيم.وليس من شأني تخوين أو منح صكوك الولاء الوطني لأي أحد ولكن هذه مسؤولية الحكومة بكل أجهزتها الاستخباراتية والأمنية التي ورطها بها من يزايدون اليوم على حبها، بل لو كانت هناك أدنى شكوك حول هذه التهمة الخطيرة أليس من واجب الحكومة الإعلان عنها رسمياً وتقديم هؤلاء الخونة أمام القضاء لنيل القصاص؟ وألم تتقدم الحكومة بمحاكمة مجاميع من المواطنين بتهم الانقلاب على النظام من قبل، وبات لديها الخبرة في التحري وجمع المعلومات في هذا الشأن الخطير؟ ولماذا تحولت اليوم إلى متلازمة الصم والبكم، مع كل التقدير لإخواننا المعاقين، في قضية قد تعني أن نكون أو لا نكون؟ وحتى يعرف الشعب الكويتي من هو الخائن والشريف في بلده.من جانب آخر، فإن الحراك الشعبي بما يحمل من شعارات واحتجاجات ميدانية قد نتفق أو نختلف عليها تمثل كل قطاعات الشعب من إسلاميين وليبراليين وقبائل وعوائل وطوائف ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني رغم التناقضات الحادة بينها، بل وصل الخلاف في الموقف السياسي في البيت الواحد بين الأشقاء من لحم ودم، وبين الآباء والأبناء وفي القبيلة والعائلة الواحدة، فهل يسري هذا الاتهام على كل هذه المجاميع حتى يخطط الابن على أبيه والأخ على أخيه، ومن هي الجهة المجرمة والعبقرية التي كسبت كل هذه العقليات المتناقضة لتحرضها على الانقلاب؟ولمصلحة مَن يتم الترويج لثقافة الانقلاب على النظام لتلعقها ألسنة الصغار قبل الكبار على مدار الساعة، وكأن حالة فقدان هيبة الدولة وسلطان القانون لا تكفينا؟!
مقالات
ثقافة الانقلاب على النظام!
06-11-2012