ناجي العلي... أيقونة حنظلة الدائمة

نشر في 03-09-2012 | 00:01
آخر تحديث 03-09-2012 | 00:01
مضى ربع قرن على اغتيال رسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي الذي كرس القضية الفلسطينية في أعماله، وميزته الفنية أنه أدخل الكاريكاتور في دائرة «ثقافة الأيقونات»، فليس ثمة من لا يعرف «حنظلة» الذي يدير ظهره دائماً وينطق بلسان فلسطين.

من النادر في العالم أن تحضر رسومات فنان كاريكاتور في كل مناسبة كما هي الحال مع رسومات ناجي العلي، فهذا الفنان الذي أغتيل قبل ربع قرن ما زالت لوحاته حاضرة بقوة على صفحات الـ «فايسبوك» و{تويتر» وفي المناسبات الثقافية. وقد احتفل عشاقه به على طريقتهم على الـ «فايسبوك»، ووظفوا لوحاته للتعبير عن الواقع السوري الدموي هذه الأيام، وأطلقت مجموعة من الناشطين على موقع «تويتر» تغريدات ركّزت على رسمٍ للفنان الفلسطيني ينتقد فيه الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد، واستعار فيه جملة من الإنجيل ليقول: «يا الله أعطنا خبزنا كفاف يومنا ونجّنا من الغضنفر»، وهو أحد أسماء الأسد. أساس الجملة في الإنجيل «أعطنا خبزنا كفاف يومنا ونجنا من الشرير»!

على أن حنظلة، وهو توقيع العلي، صار قلادة تعلق في الأعناق في بيروت أو ملصقاً يضعه بعض الثوريين والناشطين السياسيين على زجاج سيارتهم وبيوتهم، وهذا أمر نادر في عالم الرسم ككل.

واقعية وآنية

رسومات العلي الباقية في الذاكرة والتي تستعيدها الصحف والمجلات، في كل مرة، كأنها تعبر عن الواقع الراهن وصمودها في الحياة اليومية، يعودان إلى أنها ناتجة عن ثقافة عميقة، وليست مجرد نكتة سياسية أو اجتماعية تستهلك وترمى في النفايات. فعدا عن الأشكال التي ابتكرها مثل: حنظلة والرجل الفقير والمرأة، ثمة كلمات آتية من نسيج الثقافة اليومية والشعبية والسياسية، وتحوّل بعض عباراته أغنيات يرددها بعض الفنانين الثوريين.

رسم العلي 40 ألف رسم كاريكاتوري، غلب عليها الهمّ الفلسطيني(واللبناني) وجسّدت واقع الفلسطينيّين المرير واهتراء الأنظمة العربيّة وازدواجيّة السياسات الدوليّة.

يقول ناجي العلي عن «حنظلة»، بطل رسومه الذي ظهر عام 1969 في جريدة «السياسة» الكويتيّة وأدار ظهره في سنوات ما بعد 1973 وعقد يديه خلف ظهره: «وُلد في العاشرة من عمره وسيبقى دائمًا في العاشرة. إذ غادر فلسطين في هذه السنّ، وسيتخطّاها فقط عندما يعود إلى وطنه. قوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنّه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء».

استمد العلي موضوعاته من معاناة الناس وهمومهم، بدءاً من قرية الشجرة بين طبريا والناصرة -حيث ولد عام 1937 على الأغلب- وكانت تجربته في اللجوء إلى مخيم عين الحلوة في لبنان وما شاهده من معاناة، علامة فارقة في مخيلته الإبداعية فكبر فيه الهاجس الفلسطيني وتعاظم حلم العودة والحفاظ على الهوية الفلسطينية.

كان الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني أول من اكتشف نبوغ العلي، إذ شاهد ثلاثة رسوم له أثناء زيارة له في مخيم عين الحلوة، فنشر له أولى لوحاته وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوّح، في مجلة «الحرية» في 25 سبتمبر 1961.

عمل ناجي العلي في صحيفة «السفير» اللبنانية قبل أن يسافر إلى الكويت عام 1963 ليعمل محرراً ورساماً ومخرجاً صحافياً في صحف كويتية من بينها: «الطليعة»، «السياسة»، «القبس الدولية».

اغتيال متعدد

أطلقت على العلي رصاصات كاتم صوت أردته في لندن عام 1987، ويكتنف الغموض عملية اغتياله. يتهم جهاز الموساد الإسرائيلي بشكل أساسي باغتياله، فقد كانت رسومه شديدة الوطأة على الكيان الإسرائيلي المحتل. كذلك تطول الاتهامات منظمة التحرير الفلسطينية باعتبار أن بعض أعمال الفنان مسّ بعض قياداتها، ويرى البعض أن ثمة أنظمة عربية كان ناجي العلي يوجه انتقادات لاذعة لها مسؤولة عن اغتيال الفنان الذي لم يوفر أحداً من انتقاداته التي ضاق السياسيون العرب ذرعاً بها. ثمة من ينقل أن بعض الأطراف في منظمة التحرير كان يسعى لاغتيال ناجي العلي لكن الموساد سبقه.

على أن ما أساء كثيراً إلى الرسام هو تبني أعماله من قبل جماعة أبو نضال التي اشتهرت بأنها بندقية للإيجار، كذلك أساء إليه الفيلم الذي مثله نور الشريف عن حياته وموله العقيد معمر القذافي، إذ قدم العلي باعتباره «فناناً فوق الإنسان»، مع العلم أنه كان شخصاً ككل البشر يأكل ويشرب ويسهر ويستقل سيارة الأجرة، همّه الرسم ولم يكن أسير الشعارات الكبيرة كما أظهره الفيلم البروباغندا.

ناجي العلي رسام الكاريكاتور الساخط والمعبّر مثلما كان محمود درويش القصيدة – القضية، وبمنأى عن موقفنا منهما، يمكن التأمل في تأثيراتهما، وهذا ما يفتح باباً للنقاش في دور الثقافة في الواقع السياسي.

back to top