ما لم يدركه الإسرائيليون حتى الآن، رغم مرور كل هذه الفترة، أن هذه المنطقة مقبلة على متغيرات جذرية، وأن ما جرى وما يجري منذ بداية "الربيع العربي" هو مجرد مؤشرات على تحولات هائلة ستزيح من أمامها حتماً، وبكل تأكيد، كل مخلفات القرن الماضي، وستنقل القرارات من أيدي حكام أنظمة فُرِضتْ على شعوبها فرضاً وبالانقلابات العسكرية وبـ"ترتيب" من دول الاستعمار الغربي التي أوجدت وأنشأت هذه الدولة الإسرائيلية، فَعَصْرُ الشعوب العربية قد بدأ وحقبة تزوير الإرادات بدأت تتلاشى، والقادم سيخرج حتماً من صناديق الاقتراع والديمقراطية الفعلية قادمة لا محالة.

Ad

إن هذه المنطقة ذاهبة إلى معادلة جديدة بالتأكيد والمستغرب أن الإسرائيليين، الذين يفاخرون العالم بمراكز دراساتهم "الاستراتيجية" وببعض قادتهم، الذين لا يرون أبعد من أرنبات أنوفهم، وبالطبع فإنه ليس من بين هؤلاء لا بنيامين نتنياهو ولا وزير دفاعه ايهود باراك، وأيضاً ولا وزير خارجيته أفغيدور ليبرمان، ولا كل قادة هذه المعارضة الكرتونية، لا يدركون هذه الحقائق أو أنهم يضعون أيديهم على عيونهم حتى لا يروها، وأنهم ماضون في التعامل مع الشعب الفلسطيني ومع الوضع العربي ومع هذه المنطقة، وكأن الأمور مستمرة بالتوقف عند تلك اللحظة التاريخية التي أُنشئت فيها دولتهم كنتيجة للحربين العالميتين الأولى والثانية.

لقد كانت إسرائيل تحارب شعوباً مضطهدة ومسلوبة الإرادة ومعها كل الغرب الاستعماري والإمبريالي الذي جاء بها لتكون مخفراً متقدماً لمصالحهِ في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية، ولقد كانت إسرائيل "تتشاجر" مع أنظمة كانت بمعظمها إفرازات لسلسلة الانقلابات العسكرية التي لم يبقَ منها، والحمد لله، إلّا نظام بشار الأسد الذي بات زواله قريباً لا محالة، ولهذا فإنها أي إسرائيل قد حققت كل هذه الانتصارات التي حققتها، ولذلك فقد وصلت بها "العربدة" السياسية والعسكرية إلى حد هذا الذي يقوم به بنيامين نتنياهو وحكومته الإسرائيلية، وتقوم به كل هذه الأحزاب المعارضة وغير المعارضة التي لم تدرك بعد، ورغم كل هذه الزلازل التي تجتاح الشرق الأوسط، أن هناك حقبة تاريخية جديدة تختلف اختلافاً كليَّاً عن حقبة القرن العشرين كُلِّه.

ولهذا فإنَّ ما يجب أن يفهمه الإسرائيليون هو أن بديل ما بقي قائماً منذ أن أقيمت دولتهم لن يكون لا تيارات الإسلام السياسي التي أظهرت تجربتي مصر وتونس القصيرتين أنها ليست مؤهلة لحكم يتلاءم مع معطيات الألفية الثالثة ولن يكون أيضاً لا "القاعدة" ولا "حزب الله" ولا أيٍّ من كل هذه التجليات الإرهابية... إن البديل سيكون حتماً، وإنْ بعد فترة مخاضٍ عسيرة، هو أنظمة صناديق الاقتراع وهو الديمقراطية الحقيقية التي كان غيابها لنحو قرن بأكمله هو سبب انتصاراتها المتلاحقة في هذه المنطقة.

الآن هناك فرصة تاريخية فعلية وحقيقية لتكون إسرائيل جزءاً من الشرق الأوسط الجديد، فالظروف لا تزال مناسبة وملائمة ليخرج الإسرائيليون من وَهْمِ التفوق ومن وَهْمِ أنهم سيبقون يتلاعبون بهذه المنطقة كما يشاؤون طالما أنَّ دولتهم تعتبر إحدى ولايات الولايات المتحدة الأميركية وطالما أنهم مازالوا قادرين على ابتزاز الغرب الأوروبي بجريمة "الهولوكست" والمذابح النازية، ويقيناً أنهم إنْ لم يبادروا إلى اغتنام هذه الفرصة التاريخية ويدركوا معنى كل هذه التحولات التي تشهدها الأوضاع العربية ويسارعوا الى التلاؤم والتكيُّف مع هذه الأوضاع، وبداية كل هذا هو تغيير أساليب تعاملهم مع حقوق الشعب الفلسطيني، فإن اليوم الذي سيعضُّون فيه على أيديهم ندماً لن يكون بعيداً واللحظة التي سيضربون فيها رؤوسهم بجدران الحقيقة ستكون قريبة.