الأغلبية الصامتة: ربما لم تفهموني بعد
نعم أريد مخرجات أفضل وتمثيلا جيدا للتيار الوطني الديمقراطي في البرلمان، ولكن ليس من خلال القفز إلى المجهول مع سلطة لن تتواني في التضحية برأسي عند أول لحظة تفكير بالتراجع أو صفقة مع الأطراف الأقوى... ربما لم تفهموني بعد، ماذا ستفعلون لو قررت السلطة سحب طلب طعنها في قانون الدوائر الخمس؟
الآن، وقد اختارت السلطة السير في الطريق الوعر وسط تصفيق ودعم بعض القوى الوطنية، وبعض الكتّاب والسياسيين المحسوبين على التيار الوطني الديمقراطي، لم يعد أمامنا في خضم تبدل المواقف المخجل من قيادة المطالب، وحشد الرأي العام لنظام الدوائر الخمس- قبل 6 سنوات فقط- إلى إضفاء المشروعية السياسية لانفراد السلطة بتصميم النظام الانتخابي القادم، سوى قرع الجرس باكراً قبل فوات الأوان. إن البعد الانتقامي في خطوة السلطة نحو الطعن بنظام الدوائر الخمس لا يحتاج إلى مفهومية زائدة كي نراه بأم أعيننا، فهذا النظام رغم أنه صنيعة اللجان الحكومية أول الأمر فقد فرضته الإرادة الشعبية والنيابية في مجلس 2006 رغما عن أنف الحكومة التي تراجعت عنه، ووجدت أنه سيفقدها السيطرة على المخرجات الانتخابية، والثمن هو حل مجلس 2003 ومنذ ذلك الحين لم يكمل أي مجلس عمره الافتراضي. وصحيح أن أسباب حل مجالس 2008 و2009 متنوعة إلا أن نفس روح العناد والتأفف من التعامل مع مخرجات الإرادة الشعبية كانت دوما حاضرة، رغم أنها، أي الحكومة، كانت تمتلك دوما أغلبية نيابية مطيعة وتستطيع الدفع بكل مشاريعها التنموية المزعومة، إلا أنها وبسبب خلوها من الرغبة في الإصلاح وترهل جهازها الإداري كانت تتهرب دوما من العمل والمواجهات لأن المطلوب هو برلمان مستأنس أكثر هزالة من هزالة الحكومة كي تستطيع التعامل معه. وإن من يحاول اليوم الترقيع لخطوة السلطة، ويريد منا التهليل لها بالذهاب إلى المحكمة الدستورية، يستند إلى حجة أن كل ما نتخوف منه مستقبلا هو مجرد افتراضات، وكأن السلطة التي نتعامل معها ليست هي من عبث بالنظام الانتخابي بغياب مجلس الأمة، ووزعت القبائل والطوائف والعائلات على الكانتونات السكنية، وانتهكت الحريات العامة والشخصية، وجففت منابع الثقافة والتسامح. ربما لم تفهموني بعد، هي من صفت نادي الاستقلال بحقد وانتقام حتى تاريخ كتابة هذه الأسطر، ورحمتها وسعت كل خصومها إلا أنتم، وحتى جمعية الثقافة الاجتماعية عادت للحياة قبل ثلاث سنوات. ربما لم تفهموني بعد، فملف إجراءات رمضان لم تبق منه ورقة رطبة سوى فرمان تصفية نادي الاستقلال، فيا لها من ثقة مجانية تهدونها لسلطة لم تقدم في تاريخها على الإصلاح النابع من ذاتها. إن الخصومة السياسية مع بعض مخرجات المجلس المبطل من دعاة الطائفية ومثيري النعرات القبلية ومعتنقي نهج الإقصاء والتخوين، مهما بلغت واشتدت فلن تكون هي السبب المعلن أو المخفي الذي سيدفعني للنكوص عما كنت أدفع به وأشارك من أجله، وهو نظام الدوائر الخمس بأربعة أصوات، على أمل تطوير العملية السياسية وسط مناخ من الثقة والتعاون والهدوء للوصول إلى الدائرة الواحدة والهيئات السياسية والحكومة المنتخبة. نعم أريد مخرجات أفضل وتمثيلا جيدا للتيار الوطني الديمقراطي في البرلمان، ولكن ليس من خلال القفز إلى المجهول مع سلطة لن تتواني في التضحية برأسي عند أول لحظة تفكير بالتراجع أو صفقة مع الأطراف الأقوى. ربما لم تفهموني بعد، ماذا ستفعلون لو قررت السلطة سحب طلب طعنها في قانون الدوائر الخمس؟