عنف الأطفال... كيف نضمن رعاية سليمة؟

نشر في 07-07-2012 | 00:01
آخر تحديث 07-07-2012 | 00:01
No Image Caption
 هل علينا فحص الأطفال العنيفين منذ عمر الثلاث سنوات؟ يقسم السؤال بين علماء النفس الفرنسيين، لأسباب تتعلق بالحجج العلمية والأخلاقية بقدر ما تتعلق بثقافة مختلف الفرقاء. جان فرانسوا مارميون من مجلة «سيانس أومان» تابع هذا الموضوع.

تسخر الأسطورة من مقولة إن الطفل الذي يعبر حاجز سريره، من الواضح، أنه سيكون في المستقبل سجيناً يحاول الفرار! يظهر هذا التوضيح في أول اثنتين من مجموعة من الكتب كرد على بيان المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية في فرنسا (INSERM) المثير للجدل. من بين الخلافات التي هزت علماء النفس الفرنسيين في أوائل القرن الحادي والعشرين (تقييم العلاجات النفسية والوضع القانوني للمعالجين والكتاب الأسود للتحليل النفسي...)، لم تؤثر أي منها في عامة الناس في هذه المرحلة. دعونا نذكر أولاً الوقائع. في سبتمبر 2005، وبناء على دعوة من الصندوق الوطني للتأمين على المرض في حالات المهن المستقلة في فرنسا ظهرت مجموعة INSERM حول «اضطراب السلوك»، ما يعني، «مجموعة من التصرفات المتكررة والمستمرة، التي تدوس حقوق الآخرين الأساسية أو الأعراف الاجتماعية والقواعد التي تتناسب مع عمر الشخص المعني». تجمع حول ريتشارد تريمبلي، العالم النفسي المتخصص في تنمية الطفل من الكيبيك، 12 خبيراً في الطب النفسي وعلم النفس ومربون وأطباء الأمراض العصبية، والهندسة الوراثية... وبناءً على النتائج التي توصل إليها أكثر من ألف بحث علمي أنجلوسكسوني، نصحوا كلهم بتحسين التوعية حول هذا الاضطراب، والكشف عنه في أقرب وقت ممكن منذ سن الثلاث سنوات لضمان الوقاية اللازمة. في اليوم التالي تماماً، صدر في الصحف احتجاج على ذلك لكل من كريستين بيلاس- كابان وبيير سوسير، اللذين يترأسان الاتحاد الوطني للعناية بصحة الأم والطفل (SNMPMI)، وكانا السبب في تأسيس Pasde0deconduite، مجموعة تضم عشرات الجمعيات من علماء النفس والأطباء والمعلمين... تم التوقيع على عريضتها من ما يقارب 200000 من مستخدمي الإنترنت. ما سبب هذا الغضب كله؟ ليس من السهل جدًا تحديد ذلك! فمن ناحية، يقدم الكتّاب الذين تجمعوا تحت هذه الراية حججاً متباينة جداً أحياناً ، ومن ناحية أخرى، لا يرغب بعض الفاعلين من الجانبين في مناقشة هذه المسألة اليوم. وأسر لنا أحد العاملين في INSERM: «لن نطيل الكلام على خلاف غير علمي». ونقل إلينا أحد العاملين في Pasde0deconduite: «العودة إلى هذا التقرير تزعجني بصراحة». أخيراً نقطة محورية!

اضطراب في السلوك

دعونا نستكشف بعض النقاط. أولاً، رأى النقاد أن البيان عرض بعض النقاط الأساسية بدقة محدودة. على سبيل المثال، عما يجب أن نكشف بالضبط؟ هل عن اضطراب السلوك، أو علاماته؟ وبعبارة أخرى هل يجب معالجة الحالة على الفور، أو مراقبة الطفل الذي لا يزال يعتبر صحياً بحسب ما سيصبح عليه؟ قرر البيان أيضاً أن السلوك العنيف العرضة لزرع الشكوك يجب الإبلاغ عنه في السجل الصحي. لكن أي تصرفات بالضبط؟ متى نتوقف عن اعتبار قتال في الملعب على أنه أمر تافه؟ هل يجب  الإبلاغ عن رفض الامتثال؟ كيف نتأكد من أنه سيتم الحفاظ على السرية الطبية، وأن السجل الصحي لن يتحول إلى «ذريعة» لجمع المعلومات وإلى «وثيقة مراقبة تقتصر على الطب الشرعي الجنائي؟». فضلاً عن ذلك، لا يوصى بالعلاج الدوائي سوى في المرحلة الثانية، علماً أنه ما من دواء صمم خصيصاً لمعالجة اضطراب السلوك، وأن فاعلية الأدوية لم تثبت بالنسبة إلى الأطفال. ومع ذلك، ليست محظورة...

لا حتمية بيولوجية

يقدم كتّاب  Pasde0deconduite الحجج العلمية لتسليط الضوء على عدم جدوى بيان INSERM عموماً، والذي اعتبروه حتمياً واختزالياً، غير مسرورين بإظهار النقاط السلبية فيه. في الجوهر، هم يذكرون أن المسار الشخصي غير مبرمج وراثياً، ويجب ألا يقتصر تقييم الاضطرابات النفسية على الأعراض، فضلاً عن أنه يجب ألا نخلط بين الوقاية والتوقع، وأن لدونة الدماغ تضفي أيضاً طابعاً غير متوقع... هذه الحجج القوية، المقبولة جداً، تترك مع ذلك انطباعاً مربكاً لأنه سبق وتم تقديمها كلها... من خبراء INSERM أنفسهم! ويكتب هؤلاء: «من الواضح، أنه لا يوجد لعامل وحيد تعود إليه وحده مهمة توقع أو تفسير لماذا يعتمد بعض الأطفال سلوكاً عدوانياً أو معادياً للمجتمع». يتطلب التشخيص «إجراء تقييم متعدد الوسائط باللجوء إلى مصادر مختلفة للمعلومات، قام بها فريق متعدد التخصصات مع الأخذ في الاعتبار تاريخ العائلة وطريقة عيشها». وتعتبر دراسة التفاعلات بين الجينات والبيئة «أولوية»، بحسب هؤلاء الخبراء. كذلك «تتأثر نشأة اضطراب السلوك واستمراره بالعوامل العائلية والبيئية. وتشمل هذه العوامل نوعية التعلق وتربية الآباء، ونوعية العلاقة بينهما، وتأثير العنف في وسائل الإعلام»... يتابعون: هذه الفقرات لا تنغلق في حتمية بيولوجية صارمة وينبغي أن تتركز العناية على الدعم الأكاديمي والمساعدة العائلية والعمل على التنشئة الاجتماعية والتعاطف. وتشمل التوصيات تطوير «هياكل الاستماع والضيافة». واستنكرت المراكز المتخصصة التي تضم حالات الشباب الأكثر صعوبة أنها أثبتت عدم فاعليتها ... والجهة المقابلة لا ترى سوى ستار من الدخان. لماذا يجري حوار الطرشان هذا؟ أولاً، بالطبع لأن كلا الفريقين يعالجان الموضوع نفسه، ولكن ليس في اللغة نفسها. وقد اعتمد خبراء INSERM في الواقع منظوراً علمياً بما في ذلك دراسات وبائية مثلاً (غير موجود في فرنسا، لا سيما لتجنب خطر أي وصمة على الأطفال الذين تتم متابعتهم)، واستناداً إلى الحاجة إلى تقديم أدلة على فاعلية طرق العناية المختلفة (الطب القائم على الأدلة).

تبسيط المشاكل المعقدة

تعتبر مجموعة Pasde0deconduite أن اللجوء إلى استخدام البيانات المشفرة خدعة تهدف إلى إزالة أي بعد ذاتي والسماح «بتبسيط مفرط للمشاكل المعقدة»، بحسب ما جاء في كتابات بيير ديليون، طبيب اختصاصي في الطب النفسي للأطفال. بالتالي، عندما يشير الأطباء إلى أن خدمات العناية بصحة الأم والطفل لم تنتظر للحصول على مشورة الخبراء من INSERM لضمان عمل وقائي، يرد هؤلاء أنه ما من برنامج وقاية فرنسي تم وصفه أو تقييمه في الكتابات العلمية، على عكس 20 برنامجاً من خارج فرنسا. يشير مفهوم «اضطراب السلوك» في حد ذاته إلى مصطلحات الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، وهو تصنيف أطباء النفس الأميركيين المكروه من المحللين النفسيين، إذ إنه يعتمد على تحديد الأعراض والسلوكيات، في حين أن التحليل النفسي يعتبر الأعراض أمراً ثانوياً، بما أن ما يهم في هذا النهج هي المعاناة التي تترجم الأعراض، والمعنى الذي تنقله، ورمزيتها: كيف نضمن رعاية سليمة إذا كان الفحص يركز كثيراً على مراقبة سلوك الطفل، وقليلاً جداً على المعاناة والتاريخ الشخصي الذي يعبر عنها؟ الحل في أن ننسى بسرعة كبيرة أن النظر إلى البيئة النفسية والاجتماعية هو الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية... فضلا ًعن ذلك، قواعد تدريب عالم النفس على إجراء الاختبارات النفسية (بما في ذلك لدى المتخصصين في الطب النفسي العصبي الأكثر تأثراً بالعلوم الصعبة) تحث على اللجوء إلى مثل هذه الأدوات لأنها: مصدر للمعلومات الإرشادية التي، إذا عزلت، لا يمكنها تحت أي ظرف من الظروف أن تستخدم لإجراء تشخيص أو تبرير الرعاية.

معارك ايديولوجية

هاتان إذاً ثقافتان مختلفتان جذريًا اصطدمتا بعضهما ببعض. يشرح عالم الاجتماع لورانس موتشيالي أن «ما هو على المحك هنا هو مسألة منافسة النماذج، أي النماذج التفسيرية ومفاهيم الإنسان البشري التي تنطوي عليها». تقلق Pasde0deconduite أن تغذي مثل هذه الأبحاث مشروعاً اجتماعياً وسياسة أمنية تخلط النظام العام بالصحة النفسية. البيان الجماعي، في عام 2005، الذي حصل في الوقت المناسب لنيكولا ساركوزي الذي كان يعد مشروع قانون لمنع الجريمة: الكشف عن المجرمين الصاعدين من خلال مناشدة مثل هذا الدعم العلمي المغري. سيتوجب اختيار ما إذا كنا نريد «حماية الفئات الأكثر ضعفًا» أو «حماية المجتمع من الأشخاص الأكثر ضعفاً»، كما يوجزه المتخصص في الطب النفسي للأطفال برنار غولس. من يريد أن يغرق طبيبه النفساني يتهمه بالليبرالية الجديدة... أو العلموية، وهو أفيون جديد للشعب وفقًا لمحلل رولان غوري. لا تبخل Pasde0deconduite بتقديم الصيغ المروعة: «الكشف المبكر والعنيف»، دور الحضانة والمدارس التي تحولت إلى «أماكن للمطاردة،» ترويض السلوك أو تخطيطه»، الإدمان على الأدوية لتخدير الجاني المحتمل والصغير جدًا للدفاع عن نفسه والذي غالبًا ما يأتي من خلفيات محرومة... و»أقل إيماءة أو حماقة تصدر عن الطفل من المحتمل أن تفسر على أنها تعبير عن شخصية مرضية» تحت رحمة «فكر روبوتي». في المقابل، يتهم ريتشارد تريمبلاي منتقديه بالانغماس في «الظلام» والتصفيق في خلال الندوات وتأمين نسبة من أكبر وسائل الإعلام. باختصار، يتهمهم بالانخراط في كثير من الإثارة الغوغائية لأنهم عاجزون عن إقامة مناقشة علمية هادئة ودقيقة. احتقار و{ابتذال» من البعض وتشويه من البعض الآخر ومحاكمة النوايا ورفض الآخر من دون الاختلاف الكبير معه... كلها أمثلة يقدمها المتخصصون في عنف الأطفال أحياناً كمواد للتأمل في عنف الكبار!

back to top