وبشِّر القاتل بالقتل!
خلافاً لمرافعات المدافعين عن النظام السوري، بالنسبة لاغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني اللواء وسام الحسن، فإن ما لا يدركه هؤلاء أن هذا النظام نفسه يريد أن يُشْعرَ اللبنانيين وغيرهم أنه هو الذي وراء هذه العملية الحقيرة، فالهدف هو التأكيد على أن بشار الأسد لايزال يحكم لبنان رغم انسحاب القوات السورية في عام 2005، والهدف هو القول لمنْ يعنيهم الأمر وبخاصة الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية أن الذين يحكمون في دمشق قادرون على زعزعة الأوضاع الأمنية في هذه المنطقة، وأن بأيديهم هدوءها، وأن من أبقى على الجولان صامتة نحو أربعين عاماً بإمكانه الاستمرار في هذه المهمة سنوات طويلة.حتى رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، الذي جاء به النظام السوري إلى هذا الموقع، لم يستطع إنكار أن هناك "تسلسلاً منطقياً" بين تفجير ساحة ساسين في الأشرفية يوم الجمعة الماضي وإلقاء القبض على ميشيل سماحة ومتفجراته بتكليف من رئيس جهاز المخابرات السورية علي المملوك ومن بثينة شعبان مستشارة بشار الأسد قبل نحو شهرين، وممثلو حزب الله في الحكومة اللبنانية قد بادروا لخوفهم من العواقب المنتظرة إلى رفض تحويل هذه الجريمة إلى المحكمة الدولية، ورفض إخضاع ملف الاتصالات التي ترافقت مع عملية اغتيال وسام الحسن للتحقيق، بل إن مسارعة الإعلامين السوري والإيراني إلى إدانة ما جرى لعبةٌ مكشوفة ومعروفة، ويكاد المريب أن يقول خذوني، والمعروف عن هذين النظامين أنهما يقتلان القتيل ويمشيان في جنازته.
إنه لا يمكن تبرئة من بقي يهدد ويتوعد، منذ انفجار الأزمة السورية قبل نحو عشرين شهراً، بأن استقرار هذه المنطقة، بما فيها إسرائيل، هو من استقرار سورية، وأنه سينقل ما يجري في بلده إلى الدول المجاورة، وكذلك فإنه لا يمكن تبرئة مَن هدد أعوانُه اللبنانيون وفي مقدمتهم الجنرال ميشيل عون والجنرال جميل السيد بحرْق وسام الحسن وتحويله إلى كتلة متفحمة، وهذا ما حصل، وبأن رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني سيدفع ثمن ملف ميشيل سماحة الذي تم كشفه قبل نحو شهرين.إن هناك سلسلة طويلة من عمليات الاغتيال التي شملت عدداً من خيرة أبناء الشعب اللبناني وقياداته السياسية، والتي ثبت بالقرائن والأدلة القاطعة أن وراءها هذا النظام السوري ومخابراته وأجهزته الأمنية، إن في عهد الأب وإنْ في عهد الابن، وكانت هذه السلسلة قد بدأت بكمال جنبلاط ثم سليم اللوزي ثم حسن خالد ثم صبحي الصالح والرئيس رينيه معوض إلى أن وصلت إلى رفيق الحريري وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل وسمير قصير، والآن وسام الحسن، وربما سيلحقه خلال فترة قريبة عدد من الذين وصلت إليهم تهديدات هاتفية، وجميع هؤلاء السابقين واللاحقين من الذين يعتبرون من المناهضين للنظام السوري وللسيطرة السورية في لبنان، فهل هذا مجرد مصادفة ياترى؟!وبالطبع، فإن المؤكد أن هذا النظام السوري سيبقى يدفع لبنان إلى حرب أهلية مدمرة جديدة على غرار الحرب الأهلية التي هو مَنْ افتعلها في عام 1976، كما أنه سيبقى يتحرش بالدول المجاورة، وسيبقى ينثر جمر الفوضى والفتن في اتجاهها هرباً من مأزقه الداخلي وتأجيلاً لنهايته التي تشير كل الوقائع على الأرض إلى أنها باتت قريبة، وهذا يستدعي أن تتخلى الدول المعنية والمستهدفة عن هذه المواقف المائعة التي تتخذها وعن هذا الصمت المريب، فهناك في عِلْم الصراع شيء اسمه "الدفاع الإيجابي"، وهو يعني أن تذهب إلى الخصم قبل أن يأتي إليك، وفي كل الأحوال هناك حكمة خالدة تقول: "وبشِّر القاتل بالقتل".