غياب المفكر
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
أمتلك جهازاً بحجم الكف متصلاً بكيبل الإنترنت ينقل أكثر من خمسمئة قناة من المحيط إلى الخليج، ليس مصادفة، أن تحتل القنوات الدينية والسياسية الهامش الأكبر من هذا الزخم العددي وما تبقي ترك للأغاني الهابطة والأفلام. وتنقسم القنوات الدينية، وليس مصادفة أيضاً، إلى سنية وشيعية لتتناحر فيما بينها على التاريخ ورجالات التاريخ ونسائه ومحاكمة رجاله الذين رحلوا عن عالمنا قبل قرون طويلة لنعيش اليوم في ثيابهم ونستعيد حروبهم ونسقط تعاليمهم وحضارتهم. لم أر رجلاً واحداً يتحدث عن علم الفلك لدى المسلمين أو علم الجغرافيا أو الرياضيات أو الطب أو الريافة أو الفلسفة اليونانية وإضافات المسلمين إليها والتي نقلها الغرب دون أن ينكر فضلنا في ذلك. ورأيت كل شيوحنا ومعلقينا يتحدثون عن معركة الجمل. وبالرغم من أن الحديث عن العلوم الإسلامية القديمة ليس مجدياً في ظل تطور العلوم الحديثة اليوم ولكنه ربما كان مشجعاً لأن نتذكر ما قمنا به من حضارة بدلاً من استعادة ما كان عليه أسلافنا من خلاف. وأستطيع أن أجزم بأن أغلب الشيوخ المحاضرين لا يعلمون شيئاً عن تلك العلوم لاهتمامهم بالتاريخ والتاريخ فقط.في هذا الصراع المذهبي، وأكرر الذي اشتعل من غير مصادفة، ما ينبئ بأننا على مشارف أزمة أكبر من تصورنا وأننا نساق اليها دون إدراك لتبعاتها المدمرة في الغياب المتعمد للعقل أحياناً وغير المقصود أحياناً أخرى. في ظل هذا الصراع نحن بحاجة إلى مدرسة فكرية عقلانية يمكنها أن توقف هذا العبث بمستقبلنا جميعاً. مدرسة تخرج شبابنا المتحفز للصراع الذي شغله به رجالات الدين واستطاع أن يضعه في صفين متناحرين للذود عن حروب الماضي وفتنه وإعادتها إلى الحياة إن أمكن. ما سيأتي إذا استمر الوضع كما هو لن يترك ثوباً لا تمس أطرافه النار. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.