لماذا نحن هكذا؟

نشر في 09-09-2012
آخر تحديث 09-09-2012 | 00:01
 ناصر الظفيري في أغلب دول العالم التي تعيش رخاء ماديا وتعيش حياة ديمقراطية مستقرة تمارس حياتها بمنتهى العدالة مع الذات والآخر. تتقبل الخسارة في الصراع الديمقراطي كما تتقبل الفوز. بعد نهاية المعركة الانتخابية لا يسير في الشارع أحد وعلى جبهته ما يدل على انتصار حزبه أو خسارته، ولا تدل ملابسه على الحزب الذي ينتمي اليه. بعد المعركة الانتخابية يعود المواطن الى عمله اليومي سواء كان موظفا عاما أو عاملا تاركا هموم السياسة للسياسيين الذي كسبوا المعركة أو للأقلية المعارضة التي تعمل معهم تحت سقف واحد. لا علاقة لرجل الشارع العادي بما يحدث تحت قبة البرلمان حتى تنتهي المدة التي تسمح بعودة المعركة الانتخابية ليبدأ رجل الشارع تقييم حسابات السنوات التي مرت وما تم تحقيقه وما تم تجاهله ليقرر الى أين يتجه صوته هذه المرة ويختفي مرة أخرى حتى المعركة القادمة. في أغلب دول العالم التي تتمع بتجربة ديمقراطية ورخاء مادي يعيش المواطن حياته كما يجب عدا الكويت.

المواطن الكويتي يعيش حياته وهو مهموم بالسياسة حتى وان جهل خطوطها العريضة، هو متابع لكل صغيرة وكبيرة وصاحب موقف حزبي طوال سنوات التجربة النيابية وأثناء المعركة الانتخابية وقبلها وبعدها، يسير في الشارع وتدل على انتمائه الحزبي ملابسه ولهجته ولحيته. بالرغم من الوفرة المالية وسهولة الحياة وبساطتها ومساحة الحرية الأكبر عربيا الا أن ثقافة الاكتئاب لا تجعل هذا الانسان البسيط يستمتع ببساطته. هو ثائر مع الثائرين بسبب ودون سبب وهو متحدث مثقف بشؤون السياسيين ومتفوق، حسب رأيه، على الكثيرين من أصحاب الشأن وربما ذلك ما جعل خوض التجربة البرلمانية سهلة لا تحتاج الى علوم سياسية أو قانونية او اقتصادية ويستطيع خوضها كل من يستطيع فك الخط.

ما يفتقده الانسان الكويتي وما نسي المجتمع أن يقدمه له طوال سنوات تلك التجربة الديمقراطية هو ثقافة الفرح. وربما المكان الوحيد الذي يمارس فيه حياته بكثير من الاستمتاع هو أي مكان خارج وطنه. خارج وطنه يتحدث في غير الشأن السياسي واذا حاول أحد الحاضرين أن يتناول موضوعا سياسيا قالت له المجموعة "رجاء نريد أن نرتاح". ولكن المجموعة لم تناقش لماذا لا ترتاح في وطنها.

كانت المجموعة الكويتية التي تعرفت اليها خلال أيام قليلة في نيويورك مجموعة جميلة ومثقفة وبقدر فرحي بها كان اشفاقي عليها. منهم الطبيب والاداري والأستاذ ولكن هموم السياسة التي تحاصرهم لم تترك لهم الاحساس بالمتعة حتى أثناء أداء أعمالهم اليومية. أحسست أنهم يحسدون هذا العالم المكتظ على حجم الفرح الذي يمارسه بعفوية دون أن يبدو على الجميع مظاهر بذخ ودون سيارات باهظة الثمن ودون رتوش وأصباغ أو أقنعة. وربما ما في داخلهم هو السؤال الأكثر أهمية: كيف نصنع هذا الفرح؟

لقد أفسدت السياسة اليومية كل شيء جميل في الانسان، غيرت طباعه وهجنت أخلاقه وأفسدت لغته وايمانه بدوره في بناء مجتمعه أخذت أجمل أيامه دون أن يشعر. وأكثر من ذلك أفقدته ايمانه بهذه السياسة الكئيبة.

back to top