إن الموضوع لا يتعلق بالشأن المحلي الذي انبرى له جلّ كتّاب الزوايا والأعمدة في كل الصحف وأجهزة الإعلام على اختلاف مشاربها، إضافة إلى البحث والتحليل في الدواوين بكل أطيافها, مع اعتقادي بأن الشأن الداخلي يجب ألا يشغلنا عما يدور حولنا من أحداث لا يشك أحد أننا نؤثر أو نتأثر بها سلبا أو إيجابا.

Ad

موضوعنا من نسج خيال لا يخلو من الحقيقة، ولا يبتعد عن الواقع, فيحكي أنه فيما مضى من سنوات أربع أو خمس، وفي أحد أركان ربوع جبال الألب السويسرية الخلابة، وفي منتجع هادئ بعيداً عن الأعين والآذان عقد اجتماع ضم عدداً من أجهزة المخابرات الغربية والأميركية برئاسة جهاز المخابرات الإسرائيلي.

وكان جدول الأعمال يتلخص في بحث وتحليل دراسة أعدها أحد مراكز الأبحاث في تل أبيب عنوانها الرئيس "المحافظة على أمن وسلامة إسرائيل"، وقد توصلت تلك الدراسة إلى:

- أن أغلب الزعامات العربية التي التزمت باتفاقيات السلام مع إسرائيل قد "شاخت" و"هرمت"، إضافة إلى التذمر الشعبي الذي بدأ يزداد نتيجة الفساد المتفشي في تلك الزعامات والبطانة المحيطة بها، وهذا أدى إلى الخوف والتوجس من عودة زخم الانقلابات العسكرية والقفز إلى السلطة، ورفع شعارات تحرير الأرض والكفاح المقدّس، و"عودة فلسطين من النهر إلى البحر"، وغيرها من شعارات ذلك الزمان، وعودة الصراع العربي- الإسرئيلي إلى المربع الأول.

- انخفاض عدد صفقات شراء الأسلحة من قبل الدول العربية نتيجة للمخزون الهائل منها, ولإعادة هذا الزخم لابد من تدمير ما يمكن تدميره من ذلك المخزون بشرط ألا يكون من خلال الدخول في حروب مع إسرائيل.

- العمل على تغيير هذه الزعامات التاريخية بواسطة ثورات شعبية، أو فيما أطلق عليه فيما بعد "الربيع العربي" أو "الفوضى الخلاقة"، وفي اعتقادي أن هذا مصطلح قديم قد تمت إعادة إطلاقه في بدايات العقد الماضي في أحد الاجتماعات التي عقدت في البحر الميت بين عدد من دول المنطقة, ويعني هذا المصطلح أن تقوم الشعوب بإسقاط الزعامات وتحكم نفسها بنفسها، وتعمل على فرض العدالة بين أفراد الشعب على أن تزحف هذه الثورات من دولة إلى أخرى بنظام "الدومنو"، وتستمر لأطول مدة يتم فيها تقويض أسس الدولة, وتدمير ما يمكن تدميره من مخزون الأسلحة, مما يؤدي إلى عودة عقود صفقات الأسلحة وتدفق الأموال إلى أوروبا وأميركا، وهذا سيؤدي لحد ما من تخفيف الأزمة المالية.

- تم البحث بجدية في الساحات العربية من أدناها إلى أقصاها عن الأحزاب والجماعات المؤهلة لقيادة هذه الثورات الشعبية أو "الربيع العربي" أو "الفوضى الخلاقة"، فاتضح أن الأحزاب الليبرالية قد تراجع تأثيرها في الساحة العربية, بينما تلاشت الأحزاب القومية, أما الأحزاب الشيوعية والماركسية فقد أصبحت من الماضي، أما الأحزاب والجماعات الإسلامية فقد تسيدت الساحة، فتقرر الاتصال بها والتعاون معها في حالة احترامها للاتفاقات والمعاهدات الدولية, وعليه فقد وصل إلى السلطة في بعض الدول العربية بعض الجماعات الإسلامية التي "كافحت" سنوات للوصول إليها، وأخيراً تحقق حلمها، وهنا لابد من طرح تساؤل: لماذا التخوف من حكم الإسلاميين، فلم تتم تجربتهم من قبل؟ ولمَ لا يمنحون الفرصة؟ فإن نجحوا في إقالة الدول من عثراتها، وحققوا لشعوبهم التنمية والرخاء فهذا هو المطلوب, أما إن فشلوا فربما يدل ذلك على أن الأحزاب والجماعات الإسلامية قد وقعت ودفعت في الفخ التي نصبت لها، وسيتم إزاحتها بواسطة ثورات شعبية أو فوضى خلاقة قد تكون أكثر دموية من السابق.

وأخيرا نؤكد أن الموضوع من نسج الخيال، لكنه لا يبتعد كثيرا عن الواقع.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.