انطلقت في الولايات المتحدة الاحتفالات السنوية للدفاع عن حق القراءة بانضمام كتاب إي. ال. جيمس «50 درجة من الرمادي» إلى لائحة من الأعمال الكلاسيكية التي تعرضت للملاحقة في المكتبات والمدارس ومتاجر بيع الكتب، مثل رواية جي. دي. سالنجر «الحارس في حقل الشوفان» ورواية راي برادبري «فهرنهايت 451»... وتشمل فعاليات «أسبوع الكتب الممنوعة» بنسخته الثلاثين هذا العام عرض كتب منعتها الرقابة في آلاف المكتبات ومنافذ بيع الكتب في أنحاء الولايات المتحدة. كذلك تُنظَّم جلسات «قراءة افتراضية» يسمي فيها قرّاء ومؤلفون كتبهم المفضلة التي طاولتها إجراءات المنع.
اليوم حين أقرأ «الحارس في حقل الشوفان» أتساءل عن سبب منعه، وأقول في قرارة نفسي إن الرقابة الأميركية كانت في أحد الأيام أكثر تخلفاً من نظيراتها اللبنانية والعربية والسوفياتية والنازية.من وحي المناسبة الأميركية، يمكن التأمل قليلاً في أحوال الرقابة العربية. في بلاد العم سام ضجيج حول بعض الكتب الممنوعة، أما في بعض البلدان العربية فيمكن الحديث عن بعض الكتب التي سمح بتوزيعها، إذ إن الرقابة بالجملة وليس على هذا الكتاب أو ذاك فحسب، بل ثمة دور نشر مُنعت بالكامل من الاشتراك في بعض المعارض، حيث تأخذ الرقابة أبعاداً طائفية ومذهبية وسياسية واجتماعية. في لبنان، كلما اقترب فيلم سينمائي من إحدى الطوائف نشعر كأننا في حرب أهلية، فالرقابة الطائفية قنبلة موقوتة في وجه الحريات العامة، تارة باسم الأخلاق وطوراً باسم المشاعر، حيث يطارد المقص «الساحرات الثقافية» سواء في الكتب أو الأفلام أو المسرحيات أو البرامج التلفزيونية.في القاهرة وبعد سقوط نظام مبارك، توهمنا خيراً بالحرية وما تحمله من آمال في الثقافة، فجاءت السياسة الإخوانية العتيدة لتكون أكثر سذاجة من سابقتها. في البدء، خافت من قبلات عبد الحليم السينمائية، وقبل أيام أصيبت بالهلع من سيجارة بول شاوول. في الأردن لم تتردد الرقابة في منع كتاب لشاكر النابلسي عن الربيع العربي على اعتبار أنها تخاف من هذه «العدوى».في المقابل، تجد أعمالاً «فنية» مباحة رغم أنها لا تحمل من الفن شيئاً. في إطار فن التجهيز الشبابي، ثمة من يلجأ إلى التبسيط الذي يشبه الطلاسم والتعاويذ. بمعنى آخر، يطل علينا بعض مريدي هذا الفن لتقديم أعمال لا تحمل أي معنى وأي مضمون، وهي ملتبسة وسخيفة وفيها تطاول على الفن بذاته. كنت عابراً في شارع فرعي في منطقة الحمرا في بيروت، حيث لاحظت قبالة إحدى الغاليريات إلى جانب مقهى شبابي بقايا جدار من الخفان، فظننت أن الغاليري تجري بعض الترميمات في الداخل. لم أهتم للموضوع، علماً أن المشهد أزعجني وكأنه اعتداء على الرصيف، أو نفايات مرمية في غير مكانها. بعد جلوسي في المقهى إلى جانب صديقي عادل وشخص آخر أجهل هويته، لاحظت أنهما كانا يسخران من بقايا الجدار. أخبرني عادل أن تلك «النفايات» وُضعت على اعتبار أنها عمل فني ينتمي إلى «التجهيز»، فانتابتني نوبة من الضحك على هذا «التجهيز النوعي»، وتذكرت بعض من يكتب قصائد فاشلة تحت مسمى «قصيدة نثر»، ومن يغني بمؤخرته تحت مسمى «زمن الصورة»... لعل أكثر ما يمكن لنا قوله حول ذلك التجهيز إن «الفنان» صاحبه يضحك على نفسه، فهو وضع قطعة من جدار وزعم أنها طاولة، وجاء بقطعة أصغر منها واعتبر أنها كرسي، وعلَّق «ثريا» من بقايا حديد تزينها مصابيح صغيرة، وأوهم الجميع ونفسه أن «فنه» هذا يحمل رسالة ما. لم أعرف اسم صاحب هذا «العمل الفني» ولم أسأل عنه.أجهد هذا الفنان نفسه في نقل الجدار من مكان نجهله ووضعه على رصيف في بيروت، وسيتعب في نقله مجدداً.
توابل - ثقافات
كتب ممنوعة وأمور أخرى
12-10-2012