سنينَ طوال، وأنا أنظرُ في مرآة الهواء الدائر

Ad

سنين، الطينُ طعمٌ لها. وأنا أشدُّ على المبردِ، أنكبُّ على سنِّ نصلِ منجلي حالماً

بقطافٍ وفير، وسنابل تملأ حِجْر قلبي.

سنين، وأنا أرقبُ المواسمَ العابرة، وحين خاطبتني مرآة الهواء الدائر يوماً:

"احمل منجلك، دربُ الحقلِ يناديك".

نهضتُ واقفاً، طرِباً أهزُّ منجلي بنصله اللامع وقد جننه الانتظار، مُسرعاً خرجت

لكن ما إن التقيتُ بها، تلك النخلةُ السامقة، وعلقت عينا قلبي

بشامتي وجنتيها، حتى همست بي:

"جئت في الوقت الخطأ".

لا سنبل حصدت، ولا حقل رأيت، ووحده

نصلُ منجلي عطِش القلبِ التفت لأصابعي

عدت لداري...

قابلتني أمي. قرأ قلبُها وجعَ انكساري، بحّت بحسِّ ألمِها:

"اسمك في الحصاد ومنجلك مكسور".

***

سنينَ طوال، وأنا أنظرُ في مرآة الهواء الدائر

سنين، الطينُ طعمٌ لها. وأنا أمسكُ بالكتابِ، أمسّدُ الحرفَ أقبّلُ الكلمةَ واحتضنُ العبارةَ

حالماً بالامتحان، أرقبُ المواسمَ العابرة

سنين، وأنا أسامرُ الليلَ، أرددُ ما حفّظني أبي:

"منْ جدَّ وجد ومنْ زرع حصد ومن سار على الدربِ وصل".

أنتظر امتحان قلبي. وحين خاطبتني مرآة الهواء الدائر يوماً:

"احمل قلبك واخرج إلى الامتحان".

أسرعتُ كخِفَة طيران البلابلِ الهلِعة، لكنها

تلك النخلةُ السامقة، بشامتي وجنتيها،

جفّلت قلبي ببحة حسّها، هامسة بي:

"جئت في الوقت الخطأ".

لا ذقتُ امتحاناً، ولا نجاحاً جنيت، ولا الدربَ وصلت

عدت لداري، ولأنها تبقى مصرّةً على انتظار عودتي، لفّني بكاء حس أمي:

"اسمك في الحصاد ومنجلك مكسور".

***

سنينَ طوال، وأنا أنظرُ في مرآة الهواء الدائر

سنين، الطينُ طعمٌ لها. وأنا أصبّر قلبي: سأعثر بها لُقية الربِ، وأحلَمُ

أحلَمُ بها كأجمل ما تكون اللُقية، وأرقبُ المواسمَ العابرة

سنين، عاشتني ولم أعشها، كنتُ أناظر مرآة الهواء الدائر،

وتبقى عابسة بوجهي

لكني بقيتُ بغفلة المجانين أرددُ في السرِ: "سأعثرُ بها لُقية الربِ الأجمل".

ويومَ غافلَ المرآةَ قلبي، أشار إليَّ:

"اخرج للُقيتك"

ركضتُ أتعثر بعطشِ روحي

فقابلتها، في الأزرقِ والأخضر، قالت:

"أحبُ النوافذ العتيقة".

وقلت لها:

"شامةٌ واحدةٌ تكفي فما بال قلبي بشامتين!".

لكنها غرِقت في بحرِ سكوتِها ليطعنني نصلُ حسِّها:

"جئت في الوقت الخطأ".

وخلفها ردد نوحُ أمي

"اسمك في الحصاد ومنجلك مكسور".