صناعيون لـ الجريدة•: الروتين وشح القسائم الصناعية وغياب هيئة المواصفات والمقاييس أبرز معوقات القطاع الصناعي
«المطلوب تأهيل الكوادر لتقييم المشروعات الصناعية المقترحة»
أصبحت ظاهرة هجرة، أو ما يمكن تسميته على لسان أحد الصناعيين «هروب الشركات الصناعية خارج السوق المحلي»، واضحة للعيان، لاسيما أن القوانين والقرارات المنهمرة كالمطر أضحت تدفع في اتجاه زيادة انتشار هذه الظاهرة.«الجريدة» التقت عددا من الصناعيين، الذين أكدوا أن جميع قرارات الجهات الحكومية تعكس عدم المضي في تنفيذ شعارات دعم الصناعة الوطنية، فمن يريد دعم الصناعة الوطنية لا يضطر الصناعيين الوطنيين إلى الهروب بصناعتهم إلى أسواق مجاورة تعطيهم ما لم تعطه بلدهم.
وشدد الصناعيون على أن أبرز معوقات الصناعة الوطنية شح القسائم الصناعية، مشيدين بالخطوة التي قام بها وزير التجارة والصناعة أنس الصالح، المتمثلة في سحب القسائم الصناعية ممن منحوا حق الانتفاع ولم يقيموا منشآتهم، ليفسحوا المجال لغيرهم ممن لديهم الجدية في تشييد منشآتهم الصناعية التي تبحث عن قسيمة، والتي تصب منفعتها في نهاية المطاف لدى الوطن والمواطن.ولفتوا إلى مشكلة الدورة المستندية، مناشدين الوزير الصالح ومدير عام الهيئة العامة للصناعة اختصارها ولو بذات الطريقة المتبعة في الدول المجاورة.وأكدوا أن السوق الصناعي المحلي يفتقر الى جهة مهمة جدا سبقت الكويت إليها دول أضحت الصناعة فيها في قمة سلم الأولويات، بل وتنافس الصناعات العالمية، بعد أن شكلت لديها تلك الجهة، وهي الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس.وشددوا على أن وجود هذه الهيئة من شأنه ان يضع حدا للتلاعب والغش في المواد والمنتجات، ما يمهد الطريق نحو المحافظة على حقوق المستهلكين، بأن تصلهم المواد المنتجة بشكل آمن، وأن تكون جميع المواد المصنعة آمنة من كل النواحي... وفي ما يلي التفاصيل:شدد رئيس مجلس ادارة شركة سدير للتجارة العامة والمقاولات طارق بدر السالم المطوع على ان الخطوة التي يجب ان تخطوها الجهات المعنية في الكويت لتشجيع وتطوير الصناعة المحلية هي القضاء على الروتين المستشري في معظم مفاصل الجهات المعنية بقطاع الصناعة دون استثناء.واكد المطوع ان الروتين يعوق حركة التطور، ويعرقل كل المشاريع التي يريد المواطن، وخصوصا الشباب، ان يقدم على انشائها، مبينا ان "شابا صغيرا يريد ان ينشئ مطبعة يحتاج الى الف واسطة حتى يستخرج الترخيص، وهذا إن لم يضع المعنيون بهذا الامر الاشتراطات التي تمنع فكرته من الظهور على ارض الواقع".وبين ان هناك كادرا يعمل في القطاع الرسمي المعني بالصناعة لا يعرف اصلا طبيعة الكثير من الصناعات، وهو غير مؤهل لدراسة المشاريع الصناعية التي تقدم اليه، فكيف سيعطي كل مشروع حقه من الدراسة، مادام يفتقر إلى ادنى المعلومات عن هذا المشروع.تسهيلات وعراقيلواستطرد المطوع انه "على الحكومة او الجهات المعنية بالقطاع الصناعي ان تضع كادرا كفؤا لدراسة كل المشاريع التي تقدم اليه، مع تقديم التسهيلات اللازمة لانجاز المشروع بأقصى سرعة، بدلا من وضع العراقيل والاشتراطات الكثيرة التي تدفن المشروع في المهد".وتابع ان هناك جملة من القوانين يجب على الحكومة او المعنيين في الدولة تعديلها، واخرى عليهما سنها، وثالثة عليهما نسفها من الاساس، وكل هذا في سبيل دعم الصناعة الوطنية كي تحتل مكانتها الصحيحة بين الصناعات العالمية وليس الاقليمية فحسب، مشيرا الى ان الصناعة الكويتية اثبتت جودتها على مستوى السوق العالمي وليس الاقليمي فحسب.وزاد ان الصناعة المحلية التي حملت اسم الكويت لا تجد من يهتم بها داخل السوق المحلي، وظهرت جودتها رغم جميع العراقيل التي توضع في طريقها محليا.وعن معوقات القسائم الصناعية ذكر ان "هذه المشكلة اضحت مزمنة، فحتى الذي يريد توسعة منشآته تصب العراقيل عليه صبا، بسبب القوانين المعرقلة والاشتراطات غير الضرورية"، مشيرا إلى ان مشكلة مساكن العمال، التي لاتزال تقض مضاجع الصناعيين واصحاب المنشآت الصناعية الكبرى، لا تحتاج الا موافقة بعض الجهات لاقامة سكن عمال لكل منشأة بكل مواصفات السلامة والصحة التي تشترط عالميا.ولفت إلى ان جميع الطلبات، التي تقدم الى الجهات المعنية من اجل تيسير هذا الامر، ذهبت ادراج الرياح، بل في بعض الاحيان لم تجد اذانا صاغية على الاطلاق، وهذا امر حبذا لو تم تجاوزه، وهو لا يحتاج الى كل هذه المطالبات والمناشدات.واردف ان الجهات المعنية تستطيع حل مثل هذه المشكلة باشتراط ما تشاء على سكن العمال لكل منشأة، وفق مقتضيات الصحة العامة ومواصفات المنشآت العالمية، وحينها تضع حلولا لمشكلات كثيرة، ابرزها زحمة الطرقات وقضايا مساكن العمال وغيرهما.وسلط المطوع الضوء على القضية البيئية التي تخرج علينا الجهات المعنية بها كعقبة امام الصناعة المحلية، مبينا ان الجهات المعنية تستطيع وضع اشتراطات صارمة للمحافظة على سلامة البيئة، وان تسمح بإنشاء اي منشأة صناعية وفق تلك الاشتراطات، بدلا من منعها منعا باتا دون اللجوء الى ايجاد حلول بديلة.وتساءل: "كيف نصل الى مصاف الصناعات العالمية، ولانزال نعاني عملية استقدام عامل او اضافة عامل الى ملف العمال في الشركة الصناعية، بسبب قوانين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل؟".المشكلة بالبيروقراطية قال رئيس مجموعة قيس الغانم الصناعية قيس الغانم إن ابرز المشكلات التي يعانيها الصناعيون في الكويت هي انتشار البيروقراطية في الدوائر الرسمية، فضلا عن عدم وجود هيئة مواصفات ومقاييس تحد من عمليات الغش والتلاعب بالمواد المستخدمة في عمليات الانتاج الصناعي التي تعود على المستهلك بالضرر الفادح.وأضاف الغانم ان مشكلة القسائم الصناعية بدأت تحل مع الخطوات العملية المثمرة التي نفذها وزير التجارة والصناعة انس الصالح، حين قام بسحب حق الانتفاع من اولئك الذين حصلوا على الارض الصناعية بقصد انشاء منشأة صناعية، ولم ينفذوا شيئا على ارض الواقع.واردف ان المشكلة الاكبر تكمن في عمليات الروتين، وعدم وجود الكفاءات اللازمة القادرة على دراسة المشاريع الصناعية التي يتقدم اليها الصناعيون للحصول على الموافقات الرسمية بخصوصها، متسائلا: "كيف يقوم بمنح ترخيص من لا يعرف محتوى المنشأة وطبيعة عملها والمادة التي سينتجها؟".وتفاءل بالخطوات التي وصفها بالجريئة التي يقوم بها وزير التجارة والصناعة، على طريق تطوير الهيئة العامة للصناعة، من حيث تعيين مدير عام جديد يتوسم فيه الخير بأن يضع النقاط على الحروف في كل ما من شأنه تطوير هذا القطاع المهم، والذي يعتبر في الكثير من الدول موردا اساسيا من موارد دخلها.وشدد على ان الاخطار البيئية يجب ان تراعى حين منح اي ترخيص لاي منشأة، مؤكدا ضرورة الا يكون هذا عذرا او حجة يلجأ اليها البعض لالغاء او رفض او ايقاف ترخيص مشروع ما تحت هذا المبرر الواهي.ورأى انه "من المحبب ان يتم اشتراط السلامة والامان وشروط المحافظة على البيئة، تزامنا مع التسهيلات في اجراءات تأمينها، والحصول على التراخيص اللازمة بهذا الخصوص، وبهذا نكون قد وضعنا قاطرة الصناعة المحلية على سكة التطور والازدهار".ولفت الى انه من اجل العمل على تأسيس صناعة وطنية قوية يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار الامور التي تمت الاشارة اليها سابقا، من القضاء على البيروقراطية، وانشاء هيئة مواصفات ومقاييس، وتأمين القسائم الصناعية، ومنح الموافقات بصورة سلسة مهما كانت الاشتراطات الاخرى.وزاد ان وزير التجارة يسير وفق استراتيجية واضحة لتطوير الصناعة، والدليل على ذلك انه سحب بعض القسائم الصناعية، والغى حق الانتفاع لمن حصل عليها ولم يستثمرها.هروب الشركاتاكد رئيس مجلس ادارة الشركة العربية للمعادن الخفيفة محمد النقي أن "هروب الشركات الصناعية الكويتية خارج السوق المحلي ليس مستغربا، في ظل هذه القرارات التي تخرج علينا بها الجهات المعنية بين الحين والآخر".واضاف النقي ان "المستثمر الصناعي يبحث دائما عن التسهيلات اللازمة لانشاء منشأته الصناعية بأسرع وقت، لان الفكرة إن لم يطبقها هذا المستثمر سيسبقه غيره اليها، وهذا ما يجعله يمنى بخسائر دراسات الجدوى وبقية تكاليف مشروعه الذي تقدم به".وتابع ان خبرات وخبراء خرجوا من السوق المحلي، منهم الاطباء والمهندسون والفنيون وغيرهم، وكل هذا لانهم عجزوا عن ايجاد فرص جديرة بالاهتمام داخل الكويت، ولعدم وجود التشجيع اللازم والكافي لاقامة منشآت صناعية تسهم في تطوير الصناعة المحلية.وتفاءل خيرا بالمدير العام الجديد الذي يتوسم فيه خيرا من حيث رغبته الكبيرة في التغيير، مؤكدا ان اول ما يجب عمله هو اعادة النظر بجيش الموظفين الذين لم يكن لهم دور الا عرقلة المشاريع التي يتقدم بها الصناعيون، والتي ربما جعلت جهودهم في كثير من المنشآت الصناعية تفشل.ولفت إلى المشكلات التي يعانيها قطاع الصناعة المحلية، وابرزها مشكلة سكن العمال التي لاتزال تعتبر عائقا امام خطوات تطوير الصناعة، مضيفا انه حتى هذه اللحظة لاتزال عمليات الحصول على توسعة لمنشآت ضربا من المستحيل، فضلا عن الامل بأن يحصل على مكان يخصص لبناء سكن لعمال هذه المنشأة الصناعية او تلك.وذكر النقي ان أهم الحلول لمشكلات قطاع الصناعة المحلية ذكر النقي توفير القسائم الصناعية وتوزيعها على مستحقيها، لا بطريقة عشوائية وارضائية، مشيرا الى ان خطوة وزير التجارة والصناعة انس الصالح في هذا الاتجاه بدت جدية، حين سحب القسائم والغى حق الانتفاع للقسائم التي منحت لاشخاص او جهات لم تستغلها وفق الاغراض التي منحت من اجلها.وتوقع ان تكون الخطوات المستقبلية اكثر جدية من قبل الجهات المعنية، مبينا ان الصناعة تعتبر في الدول المتقدمة مورد دخل رئيسيا، بينما لاتزال في الكويت تعاني التهميش، مشددا على انه من المفترض ان يتم تخصيص سكن للعمال، تزامنا مع تخصيص القسيمة الصناعية، وخصوصا للمنشآت الصناعية الكبرى.قرارات تعسفيةذكر رئيس مجلس ادارة شركة سالم العجمي للتجارة العامة والمقاولات سالم العجمي: "اننا خرجنا بصناعاتنا الى منطقة الخفجي الحدودية مع السعودية، بحثا عن اجواء استثمارية اكثر جدوى من الاجواء المحلية، وهذا كله بسبب القرارات التعسفية التي يعانيها قطاع الصناعة، والتي لم تثمر الا المزيد من الهجرة لرأس المال الصناعي".وتمنى العجمي لو ان القرارات تصب في المصلحة العامة، مشيرا الى ان بعض القرارات تلحق افدح الضرر بشركات كويتية كبيرة صناعية وغيرها، وتخدم جهة او اثنتين فقط، لافتا الى قرار تنظيم سوق الخردة الذي صدر مؤخرا، والذي قال انه لا يخدم سوى شركتين محليتين، بينما يلحق افدح الاضرار بعشرات الشركات التي تضم مئات العمال والموظفين الكويتيين.ورأى ان استمرار هذه السياسة من حيث اصدار القوانين والقرارات التي لا تخدم القطاع الصناعي، لا من قريب ولا من بعيد، انما يدفع نحو المزيد من هجرة رأس المال الصناعي الى اسواق الاستثمار فيها اكثر جدوى والتسهيلات فيها اكبر من السوق المحلي.واستطرد ان نجاح الهيئة العامة للصناعة لن يتحقق في ظل هذه الجيوش الجرارة من الموظفين، الذين لا يملكون القدرة على تقييم الدراسات التي تقدم اليهم في المشاريع الصناعية المختلفة.وتابع ان الحاجة ماسة الى تأهيل الموجود من الكوادر إن كان هناك مجال بتأمين التدريب لها، سواء على مستوى السوق المحلي او خارجيا، والتي تخدم بتقديم المزيد من التسهيلات للصناعيين، ما يمهد الطريق لتطوير الصناعة المحلية بشكل افضل، مشيرا إلى ان المفترض ان يتم تسهيل اجراءات الصناعيين لا وضع العراقيل في كل خطوة من الاجراءات الرسمية.