كمين الداو !

نشر في 01-06-2012
آخر تحديث 01-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. حسن عبدالله جوهر قضية "الداو" بلا أدنى شك فضيحة سياسية من الطراز الأول، ولا تختلف في مضمونها أو ما كان يدور حولها من شبهات مالية وإجرائية عن المئات من المشاريع الحكومية التي رضعت وتربت من ثدي الفساد، وإن كان قيمة التعويض للجانب الأميركي كبيرة جداً وتستحق هذه الضجة الإعلامية المدوية.

وشخصياً، كنت من بين الأعضاء المتحفظين عن إقرار مشروع صفقة "الداو"، ولو عاد بي الزمان لاتخذت نفس الموقف في ظل المعطيات والظروف نفسها التي أحاطت بهذا المشروع، بل وبكل شجاعة حيث لا يمكن أن نأتمن حكومة غارقة في نهجها وممارستها بوحل من الفساد وخربّت الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة، ووصل الحال إلى إفساد البشر في المواقع العليا ومنهم أعضاء السلطة التشريعية ذات المهام الرقابية الدقيقة.

وللأمانة التاريخية ومن باب إعطاء كل ذي حق حقه، ورغم كل التحفظات فإنني وقفت مع طلب نواب الحركة الدستورية والكثير من المستقلين ممن يشهد لهم أهل الكويت بالمواقف المبدئية مثل محمد الصقر وعبدالله الرومي ومرزوق الغانم وعادل الصرعاوي ومحمد العبدالجادر لتشكيل لجنة تحقيق بموافقة الحكومة لكشف ملابسات المشروع، بالإضافة إلى تقديم اقتراحات بقوانين جديدة تضمن مبدأ الشفافية وفرض الرقابة المؤسسية على مشاريع القطاع النفطي في المستقبل.

فقد جاءت صفقة "الداو" في ظل أزمة اقتصادية عالمية والشركة على هاوية الإفلاس ومصرة على المشاركة العينية فقط مقابل مساهمة كويتية مالية تصل إلى 8 مليارات دولار، بل وتباهى رئيس مجلس إدارة "الداو" في مقابلة مع إحدى القنوات الاقتصادية العالمية بأن هذه الصفقة قد انطلت على الكويتيين، وبالإضافة إلى عدم خضوع هذه الصفقة لأي إجراءات رقابية ولا أجهزة تشاورية مستقلة، الأمر الذي جعل من هذه الصعوبات الكبيرة علامات استفهام على أصل مبدأ المشروع.

ولكن يبدو أن الحكومة كانت أكثر ذكاءً وخبثاً لاستغلال هذه الصفقة لاتهام مجلس الأمة بها لاحقاً، وهذا ما تم بالفعل، ولو رجعنا إلى ملفات "الداو" لوجدنا أن مؤسسة البترول والمجلس الأعلى للبترول كان أمامهما فرصة كافية جداً لفسخ العقد دونما أي التزامات مالية أثناء الاحتجاجات النيابية بما في ذلك التهديد باستجواب رئيس مجلس الوزراء.

فالحكومة تعمدت أولاً توقيع العقد بشكله النهائي ثم فسخه خلال ساعات بعد انقضاء تلك المهلة، بل وادعت أنها قررت ذلك بناءً على دراسة عميقة مدعمة برأي اللجنة الوزارية القانونية ورأي الفتوى والتشريع!

وكاستغلال سياسي وإعلامي بدأ الزج المقارن بالصفقة السعودية مع "الداو" وأنها ضعف قيمة الصفقة الكويتية وذات مردود اقتصادي جيد ساهم في انعاش الحالة المزرية للشركة الأميركية، وهذا المشروع يختلف كلية عن الصفقة الكويتية، لأن السعوديين اهتموا ببناء مصانع بتروكيميات على أراضيهم مزدودة بالطاقة التشغيلية من الغاز الطبيعي المدعوم من الدولة وبالتأكيد لها عوائد اقتصادية مهمة في الداخل، أما نحن فكانت صفقتنا لضخ الأموال في شركة "روم أند هاس" المتعثرة ومصانعها المنكوبة في أنحاء العالم، وشتان ما بين الأمرين!

وعلى الرغم من الحرب السياسية في الداخل، ومحاولات لصق التهمة المتبادلة بين الخصوم السياسيين أو الاقتصاديين فهناك مخارج حقيقية وجادة لاحتواء هذه المشكلة، فشركة "داو" لها مصالح قوية مع الكويت في مجال البتروكيمياويات، وحاجتها إلى الغاز المدعوم تفوق حجم التعويض المقدر لها بمبلغ مليارين ونصف دولار، وإذا كانت الحكومة جادة في الخروج من هذه القضية فعليها إعادة التفاوض من جديد لأن الصناعة النفطية بحر لا حد لها من المصالح المشتركة، والنفط والغاز في الكويت سلعة يسيل لها كل لعاب بما في ذلك لعاب "داو"، وأجزم بأن هذه الشركة ستتحين الفرصة للجلوس مع الجانب الكويتي مرة أخرى.

ومع ذلك يجب على أعضاء مجلس الأمة وجهات الرقابة المحلية ألا ترهبهم هذه الحملة الإعلامية وأن يتمسكوا بأسس الشفافية والمتابعة لأي مشروع قادم سواء مع "الداو" أو غيرها، وحتى لا تكون حفلات الزار الحالية تمهيد لأي مشروع قائم على اللعب و"الحرمنة" مستقبلاً، ولا يكون الـ"كي الداو" مجرد كمين لما هو أعظم!

back to top