نصف تويني الآخر
لن أتكلم عن غسان تويني، عملاق الصحافة والدبلوماسية، ولكن سأتكلم عن جانبه الآخر الشاعري، وارتباطه بالشعر "ناديا حمادة"، فالعملاق الكل رثاه وتكلم عنه، وذكر مآثره ومناقبه، لكن قليلاً إن لم يكن لا أحد تكلم عن زوجته ونصفه الآخر، وعشقها للأشجار والأزهار، وشغفها برموز الجبل وما منه وما عليه من إيحاءات وإيماءات، وتعلقها اللامتناهي بامرأة الجبل جدتها "ستي هند"، وكيف أنها أبدعت وحلقت في السماء شعراً باللغة الفرنسية، التي أتقنتها أكثر من الفرنسيين أنفسهم، من خلال والدتها مارغريت مالاكان. تزوجت من غسان تويني وهي يافعة، في أثينا حيث كان والدها سفيراً هناك، وهي قابعة بين الفرنسية واليونانية في تحصيلها الجامعي، لم تترك مكاناً مرت به من غير أثر لها وعطر، تخلت عن بعض دراساتها بسبب الزواج والسفر، ولم يمنعها المرض من الممارسات الثقافية والإبداعية. أصيبت بالمرض 1963 ووضعت سيناريو مسرحية غنائية لمهرجانات بعلبك عام 1970م، كتبت قصائدها مع أنسي الحاج وطلال حيدر، وعندما كان غسان تويني سفيراً لدى الولايات المتحدة، لم يثنها المرض عن حضور الفعاليات الثقافية والمشاركة بها، وإلقاء العديد من المحاضرات والندوات في نيويورك، كما شاركت في سيناريو "كلام" فيلم لمارون بغدادي عن الجنوب والاجتياح الإسرائيلي، عُرض في مجلس الأمن بعنوان "حكاية قرية وحرب" 1980م. وبعد وفاتها في حزيران 1983م في بيت مري، صدر لها في باريس ديوان نصوص غير منشورة "الأرض الموقوفة" ومنها آخر القصائد التي وضعتها في الفرنسية والإنكليزية: "تموز من ذاكرتي". والكثير الكثير الذي لا يختصر، من عبق تاريخي سطرته. وعندما التقى مجموعة من الشعراء بغسان تويني كشف عن رثاء "نزار قباني" لها، في الذكرى الأربعين لوفاتها، وكان الرثاء بخط يده، وجده غسان في مكتبته القديمة التي نذرها ومنزله إلى جامعة البلمند اللبنانية، ولقبها نزار قباني بهذا الرثاء بالفراشة. وهذا بعض من رثاء نزار قباني: من أصعب المهمات أن يكتب الإنسان تاريخ فراشة فتاريخ الفراشات يكون عادة مكتوباً على أجنحتها بالأخضر، والأزرق، والبرتقالي ناديا تويني، هي فراشة منقوشة بالشعر من رأسها حتى قدميها وأنا، طول عمري، أحسب ألف حساب قبل أن ألمس جناحي فراشة، حتى لا يهرهر غبار القمر على أصابعي. حين التقيت ناديا تويني لأول مرة، تصورت أنها طالعة من كتاب. لم أصدق عيني. فالنساء عادةً يطلعن من سوق الصاغة، أو من معارض الأزياء، أو من صالونات التجميل. يطلعن من شارع الحمراء أو من "الفيني فينيتو" أو من "الفوبور سانت أونوريه".