ما إن صدر مرسوم الضرورة بتقليص أصوات الناخبين من أربعة أصوات إلى صوت واحد حتى انقسم الكويتيون بين مرحب بالمرسوم ورافض له، وارتفعت أصوات البعض مطالبة الجميع بمقاطعة الانتخابات احتجاجا عما اعتبروه تدخلا من السلطة في سير الانتخابات ونتائجها.

Ad

وأنا وإن كنت ممن لا يؤيدون المقاطعة لكنني أحترم خيار المقاطعين وأحسب أن دافعهم هو حبهم وحرصهم على مصلحة وطنهم، تماماً كما أحرص أنا ومن لا يرى المقاطعة خياراً صائباً وربما أكثر!

والذين يطالبون بالمقاطعة يرون أن القضية أكبر من قضية تقليص الأصوات، ويؤكد كثير منهم أنهم ليسوا من أنصار أغلبية مجلس 2012، وأنهم لا يقاطعون الانتخابات انتصارا لهم أو رغبة في عودتهم، بل لأنهم يعبرون بذلك عن اعتراضهم لنظرة السلطة لهم والتي لا تزال تراهم أقل من أن يكون لهم رأي، وتصر على إدارة الأمور في البلد بطريقة "الشيوخ أبخص" وأنهم في نظرها قطيع بشري لا يحق له الاعتراض حتى إن قيد إلى حتفه، وأن أي تغيير في آلية الانتخاب يجب أن يتم عبر ممثلي الأمة ولا يتم فرضه بالقوة، وأنه آن الأوان لأن تسمع كلمتهم ويؤخذ برأيهم، ويخشون إن وافقوا السلطة اليوم في تدخلها في العملية الانتخابية أن تكون العواقب وخيمة مستقبلا، ونشهد ردة ديمقراطية تتمثل ببرلمان صوري كباقي البرلمانات العربية التي تدار من قبل السلطة ليتحول فيها "ممثل الشعب" إلى "أراجوز" يثير الضحك والبكاء في آن، ضحك السلطة... وبكاء الناخبين!

والسؤال هو: هل أهل المقاطعة على حق في تخوفهم وإساءة الظن بنية الحكومة؟

والجواب: على حق وستين ألف حق، فليس هناك من هو أكثر سذاجة من مواطن يثق بالنوايا الطيبة للسلطة، ويظن أن هاجسها تحقيق العدالة له، فقد أثبتت مرارا وتكرارا أنه آخر همها!

إذن، ما دمت متفقاً مع من يطالبون بالمقاطعة في سوء الظن فلم قلت في بداية المقال إنني لا أرى المقاطعة خياراً صائباً؟

حسنا، منعني من ذلك إدراكي أن السياسة هي فن الممكن لا المستحيل، وأن العبرة تتمثل دوما بالمكاسب التي يحققها السياسي من خلال مواقفه، وأن الواقعية أمر مهم يؤخذ في الاعتبار، ويفرض عليه اتخاذ تكتيك معين قد لا يستطيبه لكنه يجبر على القيام به، والسياسي الناجح هو من يستخدم مواد القانون والدستور كأدوات في اللعبة السياسية، وتكون لديه دائما خطة بديلة تحسبا لأي طارئ وفي جعبته دوما حلول مناسبة لكل الاحتمالات، إنه كلاعب الشطرنج يقوم بنقلاته بين مواد القانون والدستور ليتغلب على خصومه تحت شعار اللعب النظيف!

ونحن اليوم أمام سلطة لعبتها صح دستوريا وقانونيا وعليك أن تجابهها بنفس الأسلوب، فمرسوم الضرورة الذي صب في مصلحتها دستوري 100%، والذين اعترضوا عليه لا يدركون أن العلة- إن كان هناك علة- هي في مواد الدستور وأن رفض المرسوم لا يأتي بالاحتجاج أو مقاطعة الانتخابات بل بالعودة إلى مجلس الأمة ورفضه في أول جلسة، وما دام المقاطعون واثقين من أنهم يمثلون رأي الأغلبية العظمى من الكويتيين فإن وصولهم سيكون مؤكدا بأربعة أصوات... أو صوت واحد!

وما داموا يحذروننا من قيام مجلس أشبه بالمجلس الوطني سيئ الذكر، فالواجب يحتم عليهم عدم مقاطعة الانتخابات وترك الفرصة للمتنفذين والفاسدين بتقاسم خيرات البلاد بينهم، بل تغيير مواد الدستور بتقليص صلاحيات المجلس وزيادة صلاحيات السلطة، فحينها لن يلوم الوطن وأجياله القادمة سواكم، فأنتم من تخليتم عنهم وتركتموه نهبا للفاسدين والمتنفذين بملء إرادتكم... وبطيب خاطر!

المقاطعة أيها السادة ليست حلا ولن تكون، الحل بالعودة وفرض إرادة الشعب إن كنتم واثقين من أنكم تمثلونها حقا!