نحن... الجاني!

نشر في 29-03-2012
آخر تحديث 29-03-2012 | 00:01
No Image Caption
 مسفر الدوسري كثيراً ما تسلّقنا صرخاتنا غاضبين من سوء التصرف لدى الحب،

كثيراً ما اشتكينا، ورفعنا خطابات التظلم، وكم ترجينا شفاعة

كم قدمنا البراهين والأدلة مصحوبة بجراحنا المفتوحة على مصراعيها، وعيّنات من دمائنا، وعدم وجود "حجة غياب" للسهد ليلة تشييع أهداب أعيننا،

كم نشرنا إعلانات مدفوعة الثمن في الصحف اليومية، وكل وسائل الإعلام شارحين معاناتنا،

بالبراهين والأدلة الدامغة أثبتنا أن الحب لا يحسن التصرف،

ودائماً ما يخرج الحب من باب المحكمة مزهوّاً بالبراءة والهتافات التي تدعو له بطول العمر!

وعندما يُسأل عما إذا كان سيقاضينا للمطالبة برد اعتباره، يجيب متبجحاً بأنه اعتقنا لوجه الله!!

إلا أن الحقيقة هي أن الحب أكثر من يحسن التصرف، حتى لو زعم المكلومون عكس ذلك.

الحب يحسن التوقيت في اصطيادنا نحن ضحاياه.

ويعرف متى يلفظنا من فمه "كعلكة" مضجرة لم يعد فيها من طعمها سوى إنهاك الفكين.

وكيفية إشعالنا جمراً... إن للدفء أو لكتابة سفر الرماد،

ويعرف متى ينْزلنا جنات النعيم، ومتى يأخذنا إلى جهنم وبئس المصير،

ومتى يُنبت الزهر في غصن الشوق ومتى يُنبت الصبار

ومتى يطهّرنا بماء سماوي من صدر غيمة بكر، ومتى يقذفنا بالبيض الفاسد والطماطم،

الحب لا يظلم أحداً...

والحق يُقال إن الحب كثيراً ما أنقذنا من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا

أنقذنا مرات لا تحصى من الغرق، إما بيده الكريمة مباشرة أو بطوق نجاة،

لا ناقة ولا جمل للحب في ما يصيبنا من سوء، فما يصيبنا هو حصاد  سوء تدبيرنا، وليس ما كتب الحب لنا

لا دخل للحب في حادثة سقوطنا فجأة من الأعالي، وكان آخر ما نذكره من أنفاسنا الأخيرة قبل موتين من وصولنا إلى قاع الأرض، أثبت التحقيق أن الحب حين وقوع الحادثة لم يكن حاضراً!

وحينما وُجدت أحلامنا مضرجة بدمائها، على حافة الليل، نفى الحب التهمة عنه بإحضار شهادة وفاته رسمياً قبل وقوع الحادثة بزمن طويل جداً!

أما عندما وقفنا عراة تحت شلاله المندفع بشراسة، فشطر رؤوسنا إلى شطرين، خرج الحب منها كخروج الشعرة من العجينة، فلقد وجدت لجان التفتيش "يافطة" تحذيرية من النيون على رأس الجبل الذي ينحدر منه الشلال، كما وجدت كتيب إرشادات مفصلاً يحوي كل الاحتياطات اللازمة للاستحمام تحت الشلال، وقيل لنا يومها: الحب لا يحمي المغفلين!

وحين أوقفه حاجز التفتيش وعثر على مصائرنا مهربة في جيبه الخلفي، أطلقوا سراحه في الحال بحجة أن مصائرنا ليست ضمن قائمة الممنوعات، كما أنها ليست من المعادن الثمينة والمجوهرات أو عملة نادرة! بل رجال التفتيش استهزأوا بالحب لحمله مثل هذه الخردوات!

وحين وُجهت أصابع الاتهام في حوادث مصرع بعض العشاق، وُجد الحب مقتولاً إما في ذات اللحظة التي قُتل فيها القتيل وأحياناً قبل ذلك، وكان الحب ضحية أخرى لنفس الجاني.

في كل الحالات التي تم فيها إيقاف الحب على ذمة التحقيق، يكون الحب فيها إما غائباً، أو ميتاً، أو مقتولاً،

في كل الحالات يتضح أن الجاني الحقيقي بحقنا هو... نحن عندما يغيب الحب.

 

back to top