1

Ad

بما أن حركات ما يسمّى "الربيع العربي" قد شملت أقطاراً عربية عدة ذات ثقل سكاني، فإنه من الأهمية تجنب إطلاق الأحكام غير الصائبة على النتائج الحالية المنظورة للأوضاع الراهنة في تلك الأقطار، كالقول– في ضوء ما تشهده تلك الأقطار من اضطرابات- إن العرب لا يصلحون للديمقراطية؛ إن الديمقراطية لن تتحقق بصورة كاملة في المرحلة التاريخية الانتقالية الراهنة التي يمر بها كل قطر عربي، فهذه الأقطار تمر اليوم بمرحلة تاريخية انتقالية، ومن غير الصائب استعجال "الديمقراطية" لأن ظروفها الموضوعية لم تنضج بعد، ثم إن ما يحدث أمر طبيعي إذا وضعناه في موضعه التاريخي المناسب من التطور، فهناك قطاعات حكمت وروعيت، وقطاعات اجتماعية أخرى ظلت مكتومة باعتبارها "خطراً" على الأنظمة "السابقة".

ومن الطبيعي أن تشرئب تلك القطاعات المكتومة، وتعمل على السيطرة إذا أتيحت لها الفرصة، والقطاعات الحاكمة، أو المعدودة كذلك، برزت منها نخب فاسدة عملت على الاستفادة من أوضاع السيطرة والاستبداد، وأغلب القطاعات المعدودة في صف الحكم السابق، لم تكن كذلك، وكانت تعارض استمرار سيطرة تلك النخب وفسادها، ولكنها تتفق معها، إيديولوجياً، في ضرورة التمسك بالدولة المدنية (في ضوء سيطرة الدينيين على الحكم بعد الإطاحة بالأنظمة السابقة).

والمطلوب اليوم لتجنب الصراعات والاضطرابات "التوافق" بين دعاة الدولة المدنية ودعاة الدولة الدينية، والتوصل إلى صيغ "إسلامية" يقبل بها الجميع، فهل من الممكن أن يتحقق ذلك، أم أننا مقبلون على مرحلة من الصراع والعنف بين الجانبين، خاصةً أننا لدينا مفكرون إسلاميون من طراز الشيخ يوسف القرضاوي والدكتور محمد عمارة؟

2

إن ما حدث في الغرب من صراع ضد الكنيسة، وبرزت على إثره "القوى العلمانية" وسيطرت، قد تلته مرحلة من التوافق مع القيم الروحية والتمسك بضوابطها في ضوء ما شهده الغرب من انحلال وتفكك، ثم إنه لا توجد كنيسة في الإسلام، ولا معنى للصراع المضني ضد شيء موهوم. ومما يشوه الصورة في عالمنا العربي والإسلامي، أن الغرب والقوى الخارجية تتدخل وتحاول توجيه الأحداث.

وقد ظل الغرب مكروهاً في العالم الإسلامي لمدى طويل، لكنه عمل على تغيير الصورة، وصار يؤيد الحركات الجماهيرية– التي هي بطبيعة الحال حركات دينية– ومن هنا يبدو أن الغرب يؤيد سيطرة الإسلاميين في تونس ومصر وسائر بلدان "الربيع العربي"! ومن هنا الاستنتاج أيضاً أن ثمة "مؤامرة" بين الطرفين ضد النخب العلمانية!

ولكن الغرب لا يؤتمن، ويمكن أن يتخلى عمن يؤيدهم، كما تخلى عن نظام مبارك وبن علي وعلي عبدالله صالح والقذافي الذين أيدهم لفترة طويلة، وينقلب إلى تأييد خصومهم، حسب مصالحه وسياساته، وهو يمسك اليوم بورقة النخب العلمانية "يهدد" بها الطرف الآخر إذا تمرد عليه وخرج على سياساته ومصالحه، وعلينا أن ننتظر لنرى "العجائب"!!

ويتوجب على العرب– كمادة خام– الاستعداد والتعلم والتكيف مع المتغيرات والمستجدات التي سعوا إليها، فثمة "ثوابت" في الحياة والنهوض والتقدم لا بد من الأخذ بها، "والله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ومع موجة التغيير فإن ثمة قوانين كونية لا تتغير في جوهرها، ولا بد من اكتشافها والتمسك بها.

3

فالخروج على النظام القديم، يتطلب مراعاة أنظمة النظام الجديد الذي يراد إقامته، ولا يمكن تجاوز كل شيء، فعندما تثور على وضع قديم ينبغي أن يكون لديك تصور للوضع الجديد الذي تريده، والتغيير لا يمكن أن يأتي بالخروج على كل القوانين والأنظمة، لقد تعب دعاة التغيير وتحملوا المشاق في سبيل دعوتهم، وفي رسم كيفية ذلك التغيير الذي يستحيل أن يتحقق بمجرد الرغبة فيه، لأن السماء لا تمطر ذهباً وفضة وقطار التاريخ لا يسير دون إرادة بشرية فاعلة!

ما يلاحظ في الأوضاع العربية أن دعاة التغيير غير متفقين على رأي واحد ولا يقفون في صف واحد وقد بدؤوا حركاتهم، وخسروا كل شيء بعد ذلك، وهذا دليل على أنهم يفتقدون الممارسة السياسية والفكر التنظيمي.

ثم هناك "الشتاء الاقتصادي العربي" مقابل "الربيع السياسي العربي"، فقد تصور البعض أن قيامه بالمطالبة بالتغيير يعفيه من العمل المنتج!

لكن العمل المنتج هو أساس حياة الأمم... إن الاضطراب السياسي في دول الربيع العربي قد أدى إلى جمود الاقتصاد، وهذه الدول مازالت تعاني ذلك الجمود، فضلاً عن الأزمة المالية العالمية التي تعم العالم كله في هذه الآونة.

والأمم لم تتقدم إلا بالعمل المنتج كالأمم في شرق آسيا، وقد برزت الصين في المجال الدولي ليس بعديدها من السكان البالغين أكثر من مليار، إنما بعملهم المنتج وإصرارهم على التقدم والنهوض.

4

وفي المجال العربي لدينا النموذج البحريني المنبثق من المشروع الإصلاحي لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة حيث تلازم الإصلاح السياسي مع الإنجاز الاقتصادي الذي حققه الملك لبلده ولشعبه، وبفضله تميزت مملكة البحرين وتقدمت عن غيرها، فلمثل هذا فليعمل العاملون.

* أكاديمي ومفكر من البحرين