جامعة جابر بين الشكل والمضمون
بالرغم من مضي ثلاثة عقود على إنشاء «التطبيقي» فإن أغلبية التخصصات العلمية والمهنية والفنية في جميع الكليات ومراكز التدريب لم تحصل حتى الآن على الاعتماد الأكاديمي، وهو الأمر الذي قد يفسر أن الهيئة قد فشلت في توفير العمالة الفنية الماهرة التي يحتاجها القطاع النفطي الذي لم يوظف إلا نسبة متدنية جداً من خريجي الهيئة.
غني عن البيان أن الاستعجال في إنشاء المؤسسات والهيئات والشركات العامة من دون دراسة جدوى اقتصادية حقيقية سيكون له آثار سلبية في المستقبل، بالإضافة إلى ذلك فإن تجاهل التقييم الدوري للأداء العام للمؤسسات والهيئات العامة القائمة التي أنشئت في فترات زمنية سابقة لتحقيق أهداف معينة يؤدي عادة إلى نتائج سلبية، خصوصاً أن بعضها قد يتضخم إداريا بشكل غير طبيعي، ويصبح عبئاً ثقيلاً على المال العام، وبعضها الآخر قد ينحرف عن تحقيق الأهداف العامة التي أنشئ من أجلها، أو أنه يحققها لكن بدرجات متدنية جداً، إما بسبب سوء الإدارة، وإما نتيجة للتدخلات السياسية في العمل اليومي لهذه المؤسسات والهيئات، وإما للاثنين معاً.ومن أبرز الأمثلة على المؤسسات أو الشركات العامة المزمع إنشاؤها، والتي من غير الواضح أن لها جدوى اقتصادية في المستقبل تأتي "المدينة الطبية" التي نتمنى أن يُعاد النظر في قانونها بشكل جدي في المداولة الثانية في مجلس الأمة. أما "الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب" فإنها تعتبر مثالاً صارخاً على المؤسسات والهيئات العامة التي تجاهلت الحكومة عملية تقييم آدائها العام منذ إنشائها، وتركتها لأسباب غير منطقية تتضخم بشكل غير طبيعي إلى درجة أنها تضم قطاعين لا يوجد بينهما أي رابط، وهما "التعليم التطبيقي" و"التدريب"، كما أنها تضم كليات ومراكز تدريب بعضها ليس هناك حاجة تنموية إلى خريجيها وأغلبها غير متجانسة من ناحية التخصصات وطبيعة الدراسة ومدتها.أضف إلى ذلك أنه بالرغم من مضي ثلاثة عقود على إنشاء "التطبيقي" فإن أغلبية التخصصات العلمية والمهنية والفنية في جميع الكليات ومراكز التدريب لم تحصل حتى الآن على الاعتماد الأكاديمي، وهو الأمر الذي قد يفسر أن الهيئة قد فشلت في توفير العمالة الفنية الماهرة التي يحتاجها القطاع النفطي الذي لم يوظف إلا نسبة متدنية جداً من خريجي الهيئة.ومما زاد الطين بلّة أنه بدلاً من قيام الحكومة بعملية تقييم علمي محايد وشامل للأداء العام للهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب من أجل معرفة مدى تحقيقها للأهداف التي قامت من أجلها قبل ثلاثة عقود، ثم إعادة هيكلتها بشكل جذري وتطوير جودة أدائها وربط مخرجاتها بالاحتياجات الفعلية للتنمية الشاملة، فإن النية الآن تتجه، وهو ما تم فعلاً التصويت عليه في مجلس الأمة في المداولة الأولى، إلى تحويلها إلى جامعة تسمى "جامعة جابر للعلوم التطبيقية"، بعد أن يتم فصل التعليم التطبيقي عن التدريب استناداً إلى دراسة كندية قديمة نوعاً ما توصلت إلى أن التعليم التطبيقي مختلف في طبيعته عن التدريب، وهو أمر لا خلاف عليه لكن ذلك لا علاقة له البتة بتطوير أي منهما، فالقضية أعمق من عملية "الفصل" أو تغيير الاسم فقط مع الإبقاء على المضمون.هذا بالطبع لا يعني عدم الحاجة الموضوعية لإنشاء جامعة "جابر" أو أي جامعة حكومية جديدة لكن بشرط ألا تنشأ إلا بعد دراسة جدوى حقيقية، على أن تكون جديدة فعلياً أي مستقلة ومختلفة نوعياً عن الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب.فهل يتدارك أعضاء المجلس الأمر في المداولة الثانية، ويركزون جهودهم على تطوير جودة التعليم العالي؟ أم أن قضايا الشكل والكم والحسابات الانتخابية ستطغى على المضمون من دون حساب لما سيترتب على ذلك من تبعات سلبية في المستقبل؟