لكي تستمر إيرلندا على مسار التعافي الاقتصادي، فلابد من النظر إليها باعتبارها جزءاً من الحل، وليس جزءاً من المشكلة. ونحن نحرز تقدماً ملموساً، ويتعين علينا أن نواصل هذا التقدم. فقد تجاوزت حكومة إيرلندا أهدافها وفقاً لبرنامج الثلاثية، وفي العام الماضي عاد الاقتصاد إلى النمو.
ذات يوم قال الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك: «إن بناء أوروبا فن. إنه فن الممكن». ولكن إذا كان بناء أوروبا هو فن الممكن، فإن تفكيك أوروبا- أو انهيارها- سيكون شأناً مخيفاً ومؤلماً إلى حد مروع.كان هذا هو الوضع الذي واجه زعماء أوروبا في الخريف الماضي. كان اليورو في مأزق خطير، بعد أن لطمته شائعات عن انهيار وشيك للنظام المصرفي. وكانت عائدات السندات في جنوب أوروبا في ارتفاع، وخيم شعور عميق بالخوف والترقب على الحكومات في العواصم الأوروبية. ولكن الزعامات السياسية افتقرت إلى القدرة إلى حد مؤلم.وأخيرا، في شهر ديسمبر اتخذت إجراءات حاسمة. وسيصبح لدينا «معاهدة مالية»، من شأنها أن تعزز ميثاق الاستقرار والنمو، وهو ما يستلزم فرض عقوبات تلقائية لضمان التزام أعضاء منطقة اليورو بهذه القواعد. وفي الوقت نفسه، أطلق البنك المركزي الأوروبي عملية إعادة التمويل الطويلة الأجل بقيمة تريليون يورو (1.3 تريليون دولار)، والتي نجحت في منع النظام المصرفي الأوروبي من الانزلاق إلى الهاوية.وكان هذان التدبيران على قدر عظيم من الأهمية وحسن التوقيت، الأمر الذي أدى إلى خلق فترة من الهدوء والسِعة. ثم في مارس، وبعد الاتفاق على المعاهدة المالية، حول المجلس الأوروبي انتباهه نحو إحياء النمو الاقتصادي، والذي يُعَد المفتاح إلى الاستدامة المالية في الأمد البعيد.وفي ايرلندا، أشار النائب العام إلى ضرورة إجراء استفتاء على المعاهدة المالية، وقد ناضل بلا كلل أو ملل حزبا الحكومة، «فاين جايل» و«العمل»، فضلاً عن أكبر أحزاب المعارضة، «فيانا فايل»، لتأمين التصويت بالموافقة.والأسباب التي تجعلنا نساند المعاهدة المالية بسيطة. فالمعاهدة كفيلة بتعزيز استقرار الاقتصاد الايرلندي والمساهمة في استقرار اليورو، عملتنا. ومن شأنها أن تعمل على زيادة الثقة في ايرلندا والسماح لنا بزيادة التدفق الحالي من الاستثمار المباشر الأجنبي. والتصديق على المعاهدة من شأنه أيضاً أن يكفل لنا القدرة على الوصول إلى التمويل من آلية الاستقرار الأوروبي إذا احتجنا إلى ذلك.إن آلية الاستقرار الأوروبي تُعَد بالنسبة لايرلندا وثيقة تأمين في حين نناضل من أجل الخروج من برنامج الإنقاذ مع «الثلاثية» (المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي) والعودة إلى الأسواق. والأمر الأكثر أهمية على الإطلاق أن المعاهدة المالية تَعِد بضمان الموازنة المسؤولة في أنحاء منطقة اليورو المختلفة. وبالنسبة لنا فإن هذا يعني أن سوء الإدارة الاقتصادية التي كانت سبباً في انهيار الاقتصاد الايرلندي لن يتكرر مرة أخرى أبداً. ويعني أيضاً استقرار الاقتصادات الأوروبية التي يمكننا التصدير إليها.ولكي تستمر ايرلندا على مسار التعافي الاقتصادي، فلابد من النظر إليها باعتبارها جزءاً من الحل، وليس جزءاً من المشكلة. ونحن نحرز تقدماً ملموسا، ويتعين علينا أن نواصل هذا التقدم. فقد تجاوزت حكومة ايرلندا أهدافها وفقاً لبرنامج الثلاثية، وفي العام الماضي عاد الاقتصاد إلى النمو.والآن ينظر المستثمرون الدوليون على نحو متزايد إلى ايرلندا باعتبارها مكاناً ذكياً للقيام بأعمال تجارية. وهم يدركون أسس الديناميكية والشفافية والتنافسية التي يتمتع بها الاقتصاد الايرلندي. وتُعَد ايرلندا في أنحاء العالم المختلفة قاعدة ممتازة للتصدير. وتدرك الشركات العالمية أن ايرلندا بوصفها العضو الوحيد الناطق باللغة الإنكليزية في منطقة اليورو تعتبر في وضع مثالي يسمح لها بالعمل كبوابة إلى أوروبا.وتأتي ايرلندا في المرتبة الأولى باعتبارها أفضل مكان في أوروبا للقيام بأعمال تجارية، والبلد الأسهل في أوروبا فيما يتصل بالضرائب، والبلد الأول على مستوى أوروبا فيما يتصل باستكمال التعليم العالي. ونحن نمثل اقتصاداً مفتوحاً شفافاً يتمتع بقوة عمل عالية المهارة وسوق يبلغ تعداده 500 مليون نسمة على أعتابنا. ومن العوامل التي تشكل أهمية حاسمة أيضاً أن ايرلندا عضو في ثاني أكبر منطقة عملة في العالم.ويمثل الاستثمار المباشر الأجنبي أكثر من 1000 شركة عالمية تترجم إلى 145 ألف فرصة عمل في ايرلندا، ونحو 70% من إجمالي الصادرات، ونحو 2.8 مليار يورو في هيئة إيصالات لضريبة الشركات. وتنفق هذه الشركات نحو 16 مليار يورو سنوياً على السلع والخدمات والأجور في ايرلندا. وتظهر أحدث الأرقام أن عام 2011 كان عاماً قوياً للغاية في جذب الاستثمار إلى الاقتصاد الايرلندي، برقم قياسي تمثل في 148 مشروع جديد- زيادة بنسبة 30% في عدد الشركات التي تستثمر في ايرلندا لأول مرة- وهذا يعني 13 ألف فرصة عمل إضافية.إن المستثمرين يأتون إلى هنا لأنهم يربطون بين عضوية ايرلندا في منطقة اليورو واستقرارنا الاقتصادي لفترة طويلة وقدرتنا على الحصول على دعم خارجي إذا لزم الأمر. وبالتصويت لمصلحة المعاهدة المالية، يكون بوسعنا أن نضمن هذا الاستقرار والدعم- ونضمن بالتالي استمرار الثقة والاستثمار في الاقتصاد الايرلندي.إن المعاهدة الجديدة تعكس اعترافاً واضحاً بأن التصميم الأولي لليورو شابته بعض العيوب. فقد تحدثنا عن الاتحاد النقدي الأوروبي، ولكننا لم نحظ به. كما أرسى ميثاق الاستقرار والنمو المتضمن في «معاهدة ماستريخت» قواعد صارمة فيما يتصل بانضباط الموازنة، ولكن هذه القواعد سرعان ما انتهكت- وليس من قِبَل بلدان صغيرة الحجم، بل من جانب فرنسا وألمانيا.إن تعافي الاقتصاد الايرلندي من غير الممكن أن يحدث في غياب التعافي الأوروبي. ويتعين علينا أن نقف معاً أو نسقط معاً، لأن اقتصاداتنا مترابطة إلى حد كبير. وهذا ينطوي على ترتيب أوضاعنا المالية العامة، وهو ما تسمح به المعاهدة المالية. ولقد بدأنا هذه العملية؛ وستدور المرحلة التالية حول التركيز بعزم ثابت على النمو والتجديد الاقتصادي في أنحاء الاتحاد الأوروبي المختلفة.* وزيرة شؤون أوروبا في إيرلندا.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
إيرلندا ولحظة اتخاذ القرار المالي
11-06-2012