مع معرفتي المسبقة بأن قرار مقاطعة الانتخابات القادمة سيجير لمصلحة التيارات والكتل السياسية، وقد تكون أداة مساومة لما هو أكبر، لكن اتساع حجم المقاطعة الشعبية وإحجام الكثيرين ممن لهم حضور شعبي سينعكس سلباً على نسبة المشاركة، وسيؤثر في نوعية مخرجات المجلس القادم؛ مما سيترتب عليه صعوبة نجاحه فضلاً عن استمراره.

Ad

البعض يفسر قرار تراجع الحكومة بسحب المرسوم على أنه ضعف واستسلام لغوغاء الشارع، وفي الطرف الآخر يفسر تنازل المعارضة على أنه خيانة لجموع الشباب التي انتصرت لهم في مسيرات حاشدة شهدتها الساحة الكويتية، وبين هذا وذاك لا أحد يجرؤ أن يقدم أي خطوة نحو إنهاء هذه الأزمة.

الإشكالية التى نعيشها اليوم تعتمد على تغير قواعد اللعبة، فبعد أن كانت الحكومة تتحكم بأدوات ومخرجات العمل السياسي، وتتحكم بالنواب وتحركهم كالدمى كيفما تشاء، انقلبت الحال بتغير قواعد اللعبة بدخول جيل الشباب كطرف مهم وأساسي، كما هي حال الأحزاب التي قويت شوكتها، وتغلغلت في مناطق المولاة التي سيطرت عليها التيارات الحزبية والدينية.

العودة إلى سياسة الترويض غير مقبولة في ظل أجواء الانفتاح والحرية التي يعيشها الشعب الكويتي؛ لذا لا بد من إيجاد مخرج لأزمة الدوائر يتماشى وتطلعات المواطنين ويتفق مع الدستور، وذلك من خلال جمع كل الأطراف المؤثرة في طاولة الحوار والاتفاق على نتيجة واحدة تقدم مصلحة الكويت واستقرارها على ما سواها من المصالح.

كلما اشتدت الأزمات كشفت عن صناعها، فالشكوك والدلالات على تورط أطراف محلية وإقليمية لم تعد خافية، والاستمرار بقول هذا الوضع سيزيد من فرص المواجهة، فتسارع الأحداث بهذه الوتيرة مع غياب لغة العقل، وحضور طاغ للغة التشكيك والطعن بالولاء لا يمكن لأعتى الديمقراطيات الصمود أمامها.

المشكلة الأخرى التي نواجهها هي تساقط النخب الواحد تلو الآخر، فبعد أن كانوا رموزاً شامخة وأقوالهم تتردد كشعارات وطنية تغيروا بتغير مصالحهم. من هنا بدأ الحديث مع الصديق الدكتور عبدالله الوتيد عمّا آلت إليه أوضاع النخب، وكيف سقطت تلك المبادئ وتكسرت على ضفاف البحرين وربوع سورية، وغرقت في بحر إيداعات مجلس 2009، وانتحرت بطائفية مجلس 2012.

في سياق الحديث تناولنا بعض تلك الرموز كمثال للفساد الذي نعيشه في زمن النخب، وكيف يمكن لنا أن نحترم آراءهم، ونحن نعرف تواطؤهم، لكن الدكتور عبدالله ذكر جملة استوقفتني، وطلب أن يسجلها كحق وملكية فكرية، وهي "انظر للرسالة ولا تنظر للمرسل"... أو كما يقول المثل "يطوفك من الچذاب صدچ كثير"، هنا عرفت ماذا يقصد؟ لكن يصعب عليّ قبولها، فمن وجهة نظري مَن يبع نفسه فلا يستحق أن تشترى بضاعته.

ودمتم سالمين.