ربما لا يوجد في العالم الآن رئيس جديد، لديه الكثير من المشاكل والقضايا، التي يجب حلَّها، والنظر فيها، واتخاذ اللازم حولها، كما لدى الرئيس المصري الجديد. لذا، على المصريين جميعاً في الداخل والخارج، أن يدركوا جيداً التحديات الكثيرة التي تواجه الرئيس الجديد، ويساعدوه على حلها، بالتزام الهدوء، والصبر، والأناة، وعدم إرباكه بقضايا ومشاكل فرعية وجانبية، هي من مهام الوزراء أو المحافظين، أو من منهم أقل درجة.

Ad

امتحان مصر العسير فمصر الآن في امتحان عسير، وسبب هذا الامتحان، يعود إلى عدة عوامل منها: 1- فقر مصر المادي، وعدم استطاعتها مادياً على استغلال كثير من مساحتها الزراعية لإطعام الملايين من السكان المتزايدة سنوياً زيادة، فشلت معها كل التدابير الحكومية، وذلك بفعل التدين المصري الشعبي، الذي يحول دون تحديد النسل تحديداً دقيقاً، كما جرى في الصين. أما ما تقوله بعض أطراف المعارضة، من أن الهند فيها عدد سكان كبير، وهي دولة فقيرة ومقارنتها بمصر، فهذا قياس فاسد تماماً، كما يقول أهل المنطق، لأن نمو الدخل القومي الهندي من أعلى النسب في العالم، وبلغ في السنة الماضية 2011 حوالي 6%، بينما الدخل القومي المصري لم يتجاوز 1.5%. والتقدم التكنولوجي الهندي، يفوق كثيراً ما لدى بعض الدول الأوروبية، حيث استطاعت الهند أن تقيم "الدولة الإلكترونية الحديثة"، بكل ما تعنيه هذه العبارة، وأن تتبع تفاصيل حياة كل مواطنيها، الذين فاق عددهم في 2011 المليار و210 ملايين نسمة. 2 - ومصر تعاني في حقيقة الأمر أمراً خطيراً، وهو "الانفجار السكاني"، وهو الزيادات الكبيرة في أعداد السكان بالمقارنة مع الموارد المتاحة. فإذا كانت مساحة معينة من الأرض يعيش فيها عشرة أشخاص، ولكن كمية الماء والغذاء في هذه الأرض (ما يسمي بـ"السعة الحاملة للأرض carrying capacity of land) تكفي تسعة أشخاص فقط، فإن هذه المنطقة تعاني زيادة في الكثافة السكانية. ومن المعروف أن توماس مالتوس هو الذي اكتشف تلك الظاهرة في القرن الثامن عشر. أما أسباب "الانفجار السكاني" في مصر، فتنحصر في التالي: - زيادة أعداد المواليد. - قلة أعداد الوفيات، نتيجة تحسن الخدمة الطبية. - زيادة أعداد المهاجرين إلى منطقة معينة، كالمدن الكبرى (القاهرة والإسكندرية) تؤدي إلى زيادة الكثافة السكانية في هذه المنطقة. وتُتخد الآن عده إجراءات في محاولة للحد من أو إيقاف أخطار "الانفجار السكاني". فعلى المستوى الدولي، ومنذ عام1974، وكل عشر سنوات، تعقد "الأمم المتحدة" مؤتمراً لكثافة العالم السكانية، حيث تتم مناقشة أسباب المشكلة، ونتائجها. وعلى المستوى الإقليمي، قامت بعض الدول بوضع بعض الأسس لفرض الضرائب كنوع من محاولة تقييد أعداد السكان. إن الانفجار السكاني المتزايد، يمثل كارثة بكل المعايير؛ ذلك أن هذا الانفجار، وما يقابله من خلل في الموارد، وقصور في الإنتاج- إذا ترك يتصاعد بمعدلاته الحالية في مصر- فإنه سيعجل بالانفجار الشعبي، الذي تدفع به أمور وعوامل أخرى، كثيرة. وإذا أردنا أن نعالج مشكلة الانفجار السكاني معالجة علمية، فإن الأمر يقتضي أن ندرس تجارب الأمم التي نجحت في مواجهة هذه المشكلة، وأن نتبنى- كما تبنت- حزمة من السياسات المتكاملة والقادرة على تقديم حلول مواتية وناجزة. ولا بُد أن ندرك جميعاً، أن مواجهة هذه الكارثة، لا بد أن تكون مواجهة مجتمعية شاملة، لا تقتصر على أجهزة الدولة وحدها، وإنما في جوار أجهزة الدولة، فإن المجتمع المدني بفروعه كافة، مدعو إلى المشاركة الفاعلة. 3- قلة الموارد الطبيعية المتاحة في مصر. والتهديد بتقليل كميات مياه النيل نتيجة للسدود الكثيرة، التي تقيمها الدول التي ينبع منها النيل، أو يمر بها، مما سيفقد مصر ملايين الأمتار المكعبة، إضافة ما تقوم به بحيرة ناصر من تخزين للطمي في أسفلها، ويحرم الأرض الزراعية المصرية من سماد طبيعي ضروري. 4- زيادة عدد العاطلين عن العمل. فقد ارتفعت نسبة البطالة المصرية الى أكثر من 12% في هذا عام 2012. وأظهر هذا العام تقرير "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء"، في مصر، أن أعلى نسبة للعاطلين من حملة الشهادات المتوسطة، وفوق المتوسطة، والجامعية، وما فوقها بنحو 78% من إجمالي العاطلين يليه الحاصلون على مؤهلات متوسطة، وفوق المتوسطة بنسبة 46%، منها 53% ذكوراً و47% إناثاً، ثم حملة المؤهلات الجامعية، وما فوقها. 5- ضعف الدخل القومي. وكان معدل دخل الفرد المصري السنوي في العام 2011، 1500 دولار فقط، وهو من النسب المتدنية جداً، حسب التقرير الأخير للبنك الدولي. 6- وأخيراً، الموقف الإقليمي والدولي. فمعظم الدول المحيطة والقريبة من مصر، وكذلك الدول الغربية، المانحة للقروض والمساعدات المالية، غير راضية عما جرى في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011. فمصر هي "بارومتر" العالم العربي، وكلنا يعلم أن مصر الناصرية، امتد أثرها إلى بلاد الشام، والخليج العربي، والمغرب العربي (1952- 1970). وأن تحول مصر الحالي من دولة وارثة للعهد الناصري إلى دولة لاغية لكل آثار ثورة 1952، وتحوّل حزب "الإخوان المسلمين" من حزب محظور ومطارد، إلى حزب يجلس في مقعد رئيس الجمهورية، كل هذا قد أقلق أنظمة كثيرة. وكان على الرئيس الجديد للجمهورية مواجهة هذا التحدي، خصوصاً أن مصر بحاجة شديدة إلى جيرانها لفتح أسواق جديدة للعمالة المصرية المتدفقة، وللتخفيف من آثار أزمة البطالة التي يعانيها المجتمع المصري، والتخفيف من هجرة الشباب المصري في "قوارب الموت" إلى أوروبا. إضافة لذلك، فمصر بعد ثورة 25 يناير 2011 تطمع أن تصلها هبات مالية لا قروض، فهي مثقلة بالديون الخارجية والداخلية، فقد بلغ الدين المصري الخارجي أكثر من 32 مليار دولار في 2011، والدين الداخلي 960 مليار جنيه مصري. ومصر، لا تريد أن تعيد عهد الخديوي إسماعيل، الذي اضطر للتنحي والنفي، واستيلاء الدائنين الغربيين على الموارد المصرية، سداداً للديون المتراكمة على مصر.

ضرورة الهدوء والعمل المستمر فيا أيها المصريون: اركنوا إلى الهدوء والعمل المستمر والمثمر، لكي تنهض مصر، وتتحول سريعاً من الثورة إلى الدولة، دون مزيد من الخسائر المادية والبشرية. فخير مصر هو خير العرب، وشرها- لا سمح الله- هو شر للعرب جميعاً. * كاتب أردني