في مقال سابق خلصنا إلى أن انحدار الأوضاع العامة سواء اجتماعياً أم سياسياً أم اقتصادياً هو عَرَضٌ لحرب خفية يعيشها كل فرد في هذا المجتمع مع نفسه، وأن الأمل بغدٍ أفضل لن يجد حيزاً داخلنا ما لم نعش في حالة مقبولة من السلام مع الذات.

Ad

فكيف لنا الوصول إلى هذه الحالة من السلام التي تمكننا من التفكير الإيجابي والمنطقي؟ كيف لنا أن نصل إلى مرحلة من التوافق بين ما نفكر فيه وما نعبر عنه وما نقوم به؟

لعل أول خطوة في هذا الاتجاه هو الوعي بالذات... أن نتوقف لحظاتٍ في يومنا لنستشعر أحاسيسنا وأفكارنا وتصرفاتنا... لماذا أنا "مقلدم" في هذه اللحظة؟ هل لأني حزين أم لأني متوتر أم لأنني غاضب؟ أم هو الحر والغبار؟ هل التجهم حل لأي من المشاكل المسببة لهذا الشعور؟ أم هو يا ترى قناع تعودت لبسه لأبدو "جاداً ومحترماً"... كيف يؤثر هذا التعبير الكئيب الذي يعلو وجهي على تصرفاتي وعلى نفسيات مَن هم حولي؟ ماذا سيحدث لو قلبت هذا "البوز" إلى ابتسامة والعياذ بالله؟

لماذا أقف الآن في هذا الصف للعزاء؟ هل أنا حزين على موت المتوفَّى؟ هل أعرفه أصلاً؟ هل أنا هنا من باب اللباقة؟ أم العادة أم لأن وجودي له تأثير إيجابي أكيد؟ أم هو نفاق اجتماعي الأصل لغرض سياسي أو اجتماعي أو مالي؟

لِمَ أنا في هذه الوظيفة؟ أو التخصص الدراسي؟ هل للراتب فقط؟ أم أنني أستمتع حقاً بما أقوم به؟ هل هو لارتباط نفسي بفريق العمل أم المكانة الاعتبارية للمـؤسسة أم المسمى الوظيفي؟ أهو النجاح أم الخوف من الفشل في مجال آخر؟

أسئلة مشابهة لابد أن نضعها أمامنا حول كل شيء من علاقاتنا إلى أفكارنا إلى ما نأكل وما نلبس... لحظات يومياً نتحدى فيها مشاعرنا ومظاهرنا وتصرفاتنا واختياراتنا لنعرف من نحن حقاً وما هي قيمنا وما هو حلمنا وماهية رغباتنا الحقيقية؟... بدونها ومع الوقت سنشعر بالضياع وسنتحول إلى مجرد أدوات أو تروس في مجتمع ضائع ومتخبط أيضاً، فنفقد شغفنا بالحياة وهوياتنا ورؤانا المستقبلية وكل ما يميزنا كأفراد بشخصياتنا وأشكالنا وآرائنا وأعمالنا ومواهبنا وأفكارنا.

فالغضب العام ونمط الاستهلاك وضياع الأخلاق هي في مجملها أعراض لخسارة الأفراد هوياتهم وحقيقة أنفسهم... فلنجد أنفسنا أولاً حتى نستعيد شغفنا بالحياة ونحب أنفسنا... فلا يمكننا أن نحب الوطن حقاً دون أن نحب أنفسنا أولاً.