فجر يوم جديد: فيلم رجعي لمخرج تقدمي !

نشر في 08-10-2012
آخر تحديث 08-10-2012 | 00:01
 مجدي الطيب هل جاملت إدارة مهرجان «كان» السينمائي المخرج يسري

نصر الله عندما وافقت على عرض فيلمه «بعد الموقعة» في مسابقة الدورة الأخيرة الرسمية، لغرض في نفس رئيس المهرجان جيل جاكوب أو مندوبه العام تييري فريمو؟

كشف عرض الفيلم التجاري في مصر أن التجربة لا ترقى إلى المشاركة في أكبر المهرجانات السينمائية في العالم، وأن إدارة المهرجان غضت الطرف عن مستواه الفني، واحتفت كثيراً بتوجهه الفكري والسياسي!

هكذا تؤكد قراءة الفيلم، الذي أخرجه يسري نصر الله، وشارك في كتابة السيناريو مع عمر شامة، وبدا معها وكأن يسري الذي نزل «الميدان» وتظاهر مع «الثوار» يختلف عن يسري الذي أخرج «بعد الموقعة»، وتنازل عن موقف مبدئي لا ينبغي أن يخضع لمراجعة حسابات أو إعادة ترتيب للأوراق؛ خصوصاً أنه «انحرف» قليلاً عن قناعاته الإنسانية وانحيازاته السياسية، فضلاً عن اقترابه من قضية لم يُلم بمجمل أبعادها، سواء لأن القضاء لم يحسمها بعد، أو لأن حقائقها وأبعادها لم تتكشف حتى الآن؛ فالحديث عما اصطلح على تسميته «موقعة الجمل» قد يمثل عنصر إغراء كبير بالنسبة إلى المبدع، لكن العجلة في الاقتراب من القضية بحساسيتها المفرطة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، أقلها تشويه الصورة الذهنية التي رسخت لدى طوائف عدة في المجتمع، وربما قلب الحقائق أو أثر سلباً على مجريات القضية في ساحات القضاء!

خطورة الرؤية التي تبناها يسري نصر الله في فيلمه في كونها تدفع المتابع للأحداث للخروج بقناعة بأن المتورطين في «موقعة الجمل» ضحايا ظروف، وتجاهل أنهم وافقوا، بمحض إرادتهم، على أن يتحولوا إلى «أدوات» أو «عرائس ماريونيت» يحركها «أباطرة» وجدوا في حفنة من الانتهازيين والمنتفعين الذين أعمتهم مصالحهم الخاصة، ضالتهم فحركوهم لتنفيذ مخططهم الآثم!

«محمود» (باسم سمرة) واحد من سكان منطقة «نزلة السمان»، الذين يحتالون على الحياة ويتحايلون عليها، طمعاً في لقمة عيش تقيهم شر الزمان وغدره، لكنه يندفع كغيره من أهل منطقته ليمتطي الخيول والجمال، ويذهب إلى «الميدان» لتصفية «الثوار»، بناء على تعليمات وإغراءات من رموز النظام الفاسد، لكنه لا يفعل هذا لقناعة لديه بأنهم «خونة» أو «أعداء للوطن» بل لأنه يتصور أنه ينشد الاستقرار، ويحافظ على رزقه المُهدد، وأكبر الظن أنه تعرض لتهديد ووعيد «ذهب المعز... وسيفه»، لكن ما فعله لا يشفع له، ويعرضه لعقاب قاس من المتظاهرين الذين نجحوا في إسقاطه من فوق ظهر جواده، وأشبعوه ضرباً وركلاً وتنكيلاً، ومع بث المشهد على الشاشات يستشعر «محمود» بالإهانة، ويتعرض للازدراء بين قومه!

الازدراء ليس لأنه «خائن» لوطنه ولثورة شعبه ضد الظلم والفساد، بل لأنه، وهذا هو الخطير في الفيلم، أسقط من فوق حصانه وترك للمتظاهرين أن يشبعوه ضرباً (!) فبدا وكأنه «ضحية» لجماعة من الغوغاء والهمج (!) وتتأكد وجهة النظر المتعاطفة مع  «البطل» وضحايا منطقته، من المتضررين، بإمعان المخرج في تقديم الإشارات والدلالات التي لا يمكن تجاهلها؛ كالحيوانات النافقة والجدار الشاهق الذي يُحاكي الجدار العازل الذي بنته إسرائيل، والمتاجر التي أغلقت أبوابها وتحول أصحابها إلى «بودي غاردات» (!)

لم يترك يسري نصر الله للمشاهد أن يحكم بنفسه أو يكون قناعاته على أسس صحيحة، واعتبارات يمكن أن تدخل في إطار العقل والمنطق، وواصل حشد أسلحته العاطفية بتركيزه على «البطل» وقد أصبح منبوذاً، هو وأطفاله، بين أهله وعشيرته لأنه أساء إليهم بسقوطه والتنكيل به، فما كان منهم سوى أن حرموه وعائلته الصغيرة وحصانه من الزاد، لولا الناشطة «ريم» (منة شلبي) التي تعاطفت معه وهرعت لإنقاذه، ولم تتردد في الدخول معه في علاقة فجة ومقحمة تبادلا فيها القبلات الساخنة بحجة أن نساء نزلة السمان يتجاهلن، وربما يشجعن، إقامة علاقات بين أزواجهن والنساء اللائي يزرن المنطقة في إطار «البيزنس» (!) فالزوجة (ناهد السباعي) تلتقي «الناشطة» في مشهد عبثي ولا تتردد في مكاشفتها بأنها تعرف، ولا تمانع!

أجواء غير مستساغة حتى لو تصور البعض أن نزلة السمان أقرب إلى «مستعمرة غربية» تحكمها عادات وتقاليد لا نعرفها، لأن في هذا إيحاء بأن المبدأ الميكافيللي الوصولي الانتهازي هو الذي يسيطر على أهلها، وفي هذا إدانة لهم، ولا يحقق التعاطف الذي استهدفه الفيلم، الذي رسم مخرجه ملامح إنسانية لوجوه مهزومة، وبرع في المزج بين اللقطات الأرشيفية للأحداث الحقيقية، والمشاهد الدرامية التي صورها من زوايا تخدم رسالته التي أراد توصيلها، لكن براعته لم تنقذ الفيلم من الثرثرة، وتحول إلى عظة أخلاقية أو خطبة كالتي يتم إلقاؤها من فوق منابر المساجد، وبقيت رؤية الفيلم السياسية ملتبسة ومضطربة ومُشوشة، ولا يصدق أحد أنها صدرت عن مخرج «تقدمي» اسمه يسري نصر الله!                 

back to top