«نانا» وأنا!
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
بقيت ساكتاً مصدوماً بجدية هذه الفتاة السمراء، ولأنها أدركت ما ألجمني، قالت موضحة: "لكي تترجم قصة لكاتب يجب أن تعرف الكثير عنه وعن عالمه، وإلا ظلت ترجمتك تنتقص للروح". أومأت لها برأسي موافقاً، وتستخلصني من أفكاري قالت: "لنبدأ". اتفقنا على أن أقرأ كل جملة باللغة العربية، كي تسمع هي لحن الجملة وموسيقاها بلغتها الأم، بعدها أقوم بترجمة معنى الجملة، لتتولى هي تحريرها باللغة الإنكليزية. بدت الفكرة عملية ومقبولة، لكن مع الجملة الأولى، وكلمة "أخاتل" بدأ عالم آخر يتكشف لي، فلقد سألت "نانا" عن المعنى الكامن خلف المخاتلة، وهل هي مخاتلة ماكرة أم مخاتلة لعب؟ وهل هي مخاتلة الصياد المتربص بفريسته، أم مخاتلة المحبوب لمفاجأة محبوبته؟ وهل يداخلها المكر أو الدهاء أو الخبث؟ وحين جاءت جملة: (جلسنا معاً على الأرض حول سفرة العشاء، امتدت أيادينا جميعاً إلى صحن الباقلاء والخبز) كان عليَّ أن أجلس متربعاً على الأرض كيف تستوعب هي كيفية الجلسة، وأن أشرح لها كيف كانت "سفرة الأكل" تُصنع من خوص النخيل، وتحديد نوع الباقلاء، وتقطيع الخبز وتشربه بمائها.أربع جلسات استغرقتنا الترجمة الأولية لقصة قصيرة من (1200) كلمة، وكل جلسة امتدت أربع ساعات، بعدها انعقدت حصة "ورشة الترجمة" بوجود الدكتورة "نتاشا"، ورئيس البرنامج الدكتور (كريستوفر ميريل-Christopher Merrill)، والكاتب العربي الليبي الزائر وقتها "هشام مطر"، وإذ بي أتفاجأ مجدداً، أن "نانا" قامت بتوصيل نسخة إلكترونية من ترجمة القصة للمدرسين وزملائها في الفصل، حيث انفتح نقاش معي ومعها عن عوالم القصة، وشارك كل زميل وزميلة برأيه في ترجمة كل عبارة، واستمر النقاش لمدة ساعة، بعدها قامت "نانا" بجمع نسخ القصة من كل زميل بملاحظاته، لتقوم هي بالنظر في هذه الملاحظات والعمل بالجيد منها، وهذا كله تمهيداً للترجمة النهائية.العمل حياة، وللعمل الإبداعي حياة أطول حتى من عمر صاحبه، وهنا تكمن عظمته!