«غيوم تحت وتر» أحداث واقعية موسومة بالبُعد التاريخي
الفيلكاوي يثير أسئلة فكرية في تجربته السردية الأولى
صدرت للشاعر علي حسين الفيلكاوي عن «الدار العربية للعلوم – ناشرون» رواية «غيوم تحت وتر»، وفيها يبحث عن إجابات عن أسئلة فكرية ضمن مشروعه الأول في السرد.
صدرت للشاعر علي حسين الفيلكاوي عن «الدار العربية للعلوم – ناشرون» رواية «غيوم تحت وتر»، وفيها يبحث عن إجابات عن أسئلة فكرية ضمن مشروعه الأول في السرد.
ينسج الشاعر علي حسين الفيلكاوي تفاصيل عمله الروائي «غيوم تحت وتر» من واقع الحياة، ممزوجة بالبعد التاريخي والخصوصية الحضارية، متجولاً في الدول ويستعرض الملامح السياحية للمدن التي يرتادها السواح.من خلال الرواية، يكتشف القارئ مضمون الجملة التالية: «دوما أمارس عملي بشيء من القدسية»، التي يدونها الكاتب عبر الصفحات الأولى بسبب المنهج الذي سلكه في رصد شخصيات عمله الروائي والمحافظة على سيكولوجياتهم وفقاً للحدث ومعطياته، فضلاً عن البحث الدقيق قبل الشروع في نسج العمل وتوزيع أحداثه، إذ إنه ينهل من التاريخ ومضة لينير فيها قبساً على الراهن فيمزج بين الماضي والحاضر ويسكب حدثاً منسجماً مع الواقع، مستفيداً من قراءات منوعة في السياسة والفلسفة والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا.
أحداث مترابطةتتوزع أحداث الرواية في أكثر من قارة، فتجد حدثاً في أفريقيا ونقيضه في أسيا، بينما ثمة فعل يحمل مضموناً مختلفاً عما سبقه يحدث في أوربا. تحكي الرواية عن دفء المشاعر وبرودتها وتسرد ملامح من رقة القلب وقسوته من خلال أحداث بعيدة عن الرومانسية وتزخر بالخداع والمواربة. يكتشف القارئ مجموعة شخصيات تشكل محور الأحداث عبر مجموعة شخصيات وفقاً للحدث. إضافة إلى الشخصية الرئيسة، صاحب مكتب السفريات، تتوافر شخصيات من أبرزها حمد (56 عاماً)، الثري الذي يصل رصيده إلى الأربعة ملايين دولار، شخص يتصف بالكرم والشهامة المتأصلين فهو لا ينتمي إلى حديثي النعمة أو الطارئين من الأثرياء، متزوج من ابتهال (54 عاماً)، المرأة الرصينة التي تبحث عن السعادة بكنف أفراد عائلتها فهي تهوى شرب القهوة في مقاهي شارع الشانزلزيه، وتعشق التسوق أو التنقل بين المقاهي والمحلات التجارية إلى مغيب الشمس. تشكل القهوة مع زوجها حمد طقساً مقدساً، يتبادلان في ظله الغرام على شكل رائحة البن، غائبين تحت رشفات هائمة في فضاء الفناجين. وفي إحدى جولات التسوق أنفقت أكثر من خمسة آلاف يورو لشراء بعض المستلزمات النسائية، وتخشى ركوب الطائرات.كذلك تضم هذه العائلة «منى» في التاسعة عشرة من عمرها، و{سلطان» في السابعة عشرة، فضلاً عن الخالة «نجوى» في التاسعة والأربعين وابنتاها هند في الثامنة عشرة و{هنادي» في السادسة عشرة. كذلك تتضمن الرواية شخصية الممتع الذي أدمن السفر إلى دول أوروبا الشرقية وارتياد النوادي الليلية، والموسيقى العجوز وألما وغيرهما.فلسفة المشائينيطرح الفيلكاوي مجموعة استفسارات وأسئلة، رغم بساطتها فإنها تتعلق بمسائل فلسفية وإنسانية فيقول الراوي: «لم أتساءل، لم قطع بوذا كل هذه المسافات من أجل السفر بتحولات الروح!، ولم تثرني فلسفة المشائين، أو حسبة الرأسماليين، ما أثار حيرتي رغبة الإنسان في آخر المطاف بالسفر، هل السفر وجه آخر للحرية، كلمة مرادفة للنسيان! أو مجرد هروب ممتع؟ أو السفر غرفة خفية نمارس في أرجائها رغباتنا السرية؟ هل السفر قدر الإنسان وفطرته الأساسية!، إننا نبحث عنا في أنحاء العالم ربما، أو عن حياة أخرى نظن أنها لنا، أو عن حياة لن تتحقق سوى بالانتقال الزمني». تثير الرواية مجموعة أسئلة تتعلق بالفلسفة والفكر، من بينها: هل سيقوده ما يعتقد به إلى النجاة ؟ وهل سيرشده إلى سبيل الحكمة؟ وهل سيكشف سر الخلود كما فعل أنكيدو؟انتقال زمنيتمهد هذه الأسئلة المنوعة للانتقال الزمني الذي سيحدث من خلال أحداث الرواية، مقلباً بين أحداث التاريخ ومتجولاً بين مدن متناثرة في قارات العالم، ليبدأ رحلته عقب اتخاذ قرار الاتجاه إلى العمل الخاص قبل خمس سنوات هارباً من البيت، مكرساً جهده في العمل ضمن مكتب سفريات الذي اشتراه حديثاً، ويقول عن العمل الجديد: «رأيت الدنيا تحت قدمي في المطبات الهوائية الحادة، والأجواء العاصفة سمعت العويل، عويل الرجال الأجلاف وصراخ النساء وإغماءاتهن، في الهبوط الاضطراري، والعواصف الضاربة».حالات تاريخيةيستدعي الفيلكاوي حدثاً تاريخياً من أبسط المواقف التي تحدث للشخصيات كحدث تدخين الشاب سلطان، مبيناً الفرق بين الحالة الواقعية والحالة التاريخية، فيقول في أحد المقاطع: «حين رأيت السيجار بين أصابعه يُسن كسكين قصاب متمرس، أدركت أنها حرب الدخان، وهي حرب حقيقية، ومدمرة، فقد حارب تشرشل النازيين بسيجاره، لم يملك قوة دفاع جوي مضادة للطيران الألماني أفضل من النفخ في الأجواء، فمنح شعبه الأمل، والثقة بالنصر، كاسترو أيّد الثوار طوال عقود من عمر أشجار النارنج، ودعم طبقة البروليتاريا في العالم العلوي، والسفلي، وقاوم الرأسمالية، والإمبريالية، بماذا !!! بالتبغ المدبوغ على جلود معدومي «كوبا»، الرجل وقف في وجه مسدسه، ظهر في الجرائد والأفلام، ونشرات الأخبار يلقم سيجاره في فمه، ويطلق الدخان في وجه أميركا ويتوعدها إلى آخر ورقة تبغ، كذلك بيل كلنتون استخدم السيجار في حروب السياسة واللذة، مرة بالدخان ومرة أخرى بدون دخان».علاقة عابرةتتطور علاقة صاحب مكتب السفريات أو قائد المجموعة السياحية مع نجوى من خلال بعض المواقف التي حدثت أثناء الرحلة أو بعد العودة منها، لكن صاحب مكتب السفريات قرر إنهاء هذه العلاقة ويسرد في المقطع التالي: «لم أحتمل علاقتي مع نجوى، على مدى أكثر من شهرين، اختفت شرارة اللقاء الأول أصبحت عبئاً على أثاث الشقة، وكلما فكرت أني البديل عن بدر ازداد إصراري على إنهاء علاقتنا، لقد مسحت عن رأسها، كحبة بندول، صداعاً فاتراً، وخلصتها من آلام ليلة مباغتة، ولا داعي بعد الآن لمزيد من الحبوب، على وجه الخصوص أنها بدأت تحاصر البناية منذ الصباح الباكر، وتراقب حركة الدخول والخروج... إلى أن جاءت «رنة الحقيقة» وتحولت بعدها علاقتنا إلى صداقة متقطعة ولقاءات عابرة».