وجهة نظر: القروض... كرة في ملعب «المركزي»!
رغم الكم اللامتناهي من المشكلات الرئيسية التي تعانيها الكويت، لا يرى البعض من بين هذا الكم سوى مشكلة واحدة تستحق الاهتمام، ألا وهي قضية القروض الاستهلاكية المتعثرة، فيرفع شعار إسقاط هذه القروض أو فوائدها، وكأنه هو الموضوع الأشد استحقاقاً والأولوية التي لا تسبقها أولوية أخرى.لقد سوّق عدد لا بأس به من أصحاب الرأي في الماضي وما زال يسوّق عبر الحملات الانتخابية والندوات العامة ووسائل الإعلام المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعي المتعددة فكرة إسقاط القروض، ما أوهم جمعاً كبيراً من المواطنين أن تلك القروض ساقطة لا محالة، ودفعهم إلى الإفراط والمبالغة في الاقتراض.
وكان البنك المركزي قد أوضح في عام 2008 حجم وطبيعة هذه المشكلة، وتم آنذاك التوافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على معالجتها من خلال القانون رقم 28 لسنة 2008 في شأن إنشاء صندوق لمعالجة أوضاع المواطنين المتعثرين.ووفرت الدولة رأسمال هذا الصندوق البالغ نصف مليار دينار من الاحتياطي العام للدولة. ولأن قانون الصندوق يحظر على الجهات المصرفية والمالية منح أي قروض أو تسهيلات ائتمانية جديدة لأي من العملاء المستفيدين من الصندوق إلا بعد سداد كل القرض المستحق عليه للصندوق، فقد تعرض هذا الصندوق هو الآخر إلى حملة تشهير، بل وأقدم البعض على دعوة المواطنين إلى مقاطعته. وأُدخِلت في منتصف عام 2010 تعديلات على هذا القانون لإضفاء قدر أكبر من المرونة عليه وتوسعة مظلته لتستوعب شرائح أكبر من المتعثرين. وقد تبنّت دولة الإمارات فكرة هذا الصندوق في معالجة قروض مواطنيها، كما تناقش الحكومة السعودية مع مجلس الشورى في الوقت الحالي قانوناً لإنشاء صندوق على غرار الصندوق الكويتي لمعالجة أوضاع المواطنين المتعثرين، وقد وجدت من مراجعاتي لحالات مشابهة في بلدان أخرى أن هذه الأداة هي الأكثر شيوعاً في معالجة مثل هذه المشكلة.إن المطالبة بإعادة النظر في آلية عمل الصندوق أو شرائح المستفيدين منه هي أمر مشروع، ولكن المطالبة بإسقاط القروض أو حتى فوائدها هي مطالبة تفتقد إلى الموضوعية وتجافي مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين وهو من أهم المبادئ الدستورية، كما أنها تؤسس لسابقة غير حميدة من شأنها أن تزيد من حجم المشكلة في المستقبل بدلاً من أن تحلها.إن من المنطقي والمشروع أن تثار مسألة العدالة في مواجهة المطالبة بإسقاط القروض أو فوائدها. لأن إسقاط القروض أو فوائدها لا يحقق العدالة بين مَن اقترض وبين مَن لم يقترض، ولا يحقق العدالة بين من اقترض مبالغ كبيرة وبين من اقترض مبالغ أقل، ولا يحقق العدالة بين من اقترض ولم يسدد وبين من اقترض والتزم بالسداد، كما لا يحقق العدالة بين من اقترض وتعثر وآثر عدم الدخول تحت مظلة صندوق المتعثرين، وبين من اقترض وتعثر ودخل تحت مظلة الصندوق.ان البنك المركزي مطالب الآن، بل وبصفة دورية، بالإعلان عن الحجم الحقيقي لهذه المشكلة كما هو بنهاية العام الجاري، وبيان نسبة قروض المواطنين الاستهلاكية والمقسطة المتعثرة من اجمالي هذه القروض، وبيان النسبة الفعلية لما يمكن تصنيفه قروضاً متعثرة ونسبة المواطنين المتعثرين الذين استفادوا من معالجات الصندوق من إجمالي قيمة القروض المتعثرة وأعداد المواطنين المعسرين.وبدون توضيح ذلك سيستمر هذا اللغط المتكرر حول هذه المسألة، وهو لغط لم يعد من المعقول أو المقبول أن يستمر، بينما لا توفر الجهات المسؤولة بيانات شفافة وواضحة في الوقت المناسب عن حجم المشكلة وتطوراتها.