إيميريك لويسّه فنان متعدد التخصصات، يسافر كثيراً إلى مناطق الصراع والنزاع لإنشاء أعمال تشكِّك في العلاقة بين الفن المعاصر والجغرافيا السياسية. بين عامي 2011 و2012، عاش لويسّه وعمل مع  مجموعة من المقاتلين الأكراد الإيرانيين في معسكرهم التدريبي السري وسط التضاريس في الجبال العراقية، ونتجت من ذلك سلسلة صور تُظهر من خلال زي المقاتلين حرب العصابات في مشاهد القتال، أو هي إعادة تمثيل للحرب ومسرحها كأن المصوِّر يطلب إعادة النظر في الواقع ويشكك في مصوري الحرب.

Ad

يطلب الفنان من المقاتلين أن «يمثّلوا» مشاهد حربية وقتالية يستقي منها مراده ودلالاته ورموزه وإخراجه السينوغرافي، وتتماثل أعماله وتُستلهم من لوحات فنّية كلاسيكيّة من القرن التاسع عشر لفنّانين كبار رسموا الحرب أمثال ألفونس دو نوفيل وبيار جورج، جونيو وألفونس ماري- أدولف أو إدوارد دوتاي.

في محاضرة إيميريك لويسّه التي ألقاها في غاليري The Running Horse ونشرت على موقع الإنترنت، جاء أنّ بداية هذه الصور الفوتوغرافيّة وموضوعها النزاعات ظهرت في حرب منطقة القرم. آنذاك، كانت تقنيّات التصوير الفوتوغرافي بدائيّة وتحتاج إلى مهارة في الرسم والتزيين، وتتطلّب ووقتاً طويلاً من الوقوف أمام الكاميرا يصل أحياناً إلى 20 دقيقة، بسبب استحالة التقاط الصور خلال المعارك. ويوضح لويسّه أنه بالكاد صوَّر المقاتلين وهم يعرضون أنفسهم للكاميرا بوضعيّة الوقوف أمامها، موضحاً أن التصوير مثل الفن، تفسير شخصي للعالم.

الصورة الأيقونة

 

بعدما عرض لويسّه أبعاد التصوير الحربي الفوتوغرافي التاريخيّة، تطرّق في مداخلته المنشورة على موقع الغاليري إلى موضوع «الصورة الأيقونة»: صورة المصوّر روبير كابا من الحرب الأهليّة الإسبانيّة، القائل: «إذا لم تكن صورك جيدة بما يكفي، فإنك لم تكن قريباً بما فيه الكفاية». عاش هذا المصور حياته الصحافية ملتزماً بهذه العبارة في تغطيته للحروب والصراعات، ورغم حياته القصيرة، التقط كابا عدداً من الصور الأيقونية التي لا تزال محل اهتمام ودراسة حتى اليوم. ولعل أهمها ما عرف بصورة «الجندي الموالي لحظة الموت»، والتي التقطها لجندي مجهول من المحاربين ضد حكومة الحاكم الإسباني فرانسيسكو فرانكو عام 1936.

في جانب من صوره، يبدو أن لويسه يستوحي شيئاً من صور كوبا في لقطاته، وهو تحدث عن كثير من الصور الأيقونية في العالم، سواء تلك التي استعملت كأيديولوجيا مثل صورة العلم السوفياتي على مبنى الرايخ الألماني عام 1945، أو تلك الصورة التي كانت إشارة إلى مآسي الحرب ومن بينها صورة الفتاة العارية، تهرب باكية مع أفراد من قريتها التي تعرضت لقصف بقنابل الـ{نابالم».

تقبض الصورة الأيقونية على الزمن، تربكه تؤرخه وتصبح مثل منام يتكرر، مثل شيء يصعب دحضه، بل تصير بداية لتاريخ جديد، تماماً كما صورة سقوط البرجين في «غزوة» نيويورك عام 2001، صورة إسقاط تمثال صدّام حسين في ساحة الفردوس، صورة القبض عليه في وكره، صورة سجن أبو غريب وتعذيب المساجين العراقيين، صورة «جثة» القذافي...

أما غاليري THE RUNING Horse فهي منصة تواصل تسعى إلى تعزيز اللغة البصرية المعاصرة، من خلال دعوة فنانين من لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، لتوضيح المفاهيم وتوليد الفرص الإبداعية، ذلك عبر وسائط متعددة ومتنوعة تشمل: التشكيل، التصوير، النحت، التسجيل، والتركيب. بالإضافة إلى ذلك، ولتقديم الفنانين المحليين إلى الجمهور العالمي، تعمل TRH من خلال معارض متنوعة أيضاً على إيصال الفنانين الشباب والناشئة الذين ما زالوا في منتصف حياتهم المهنية إلى الجمهور اللبناني ومجتمع الشرق الأوسط، معززة بذلك الخطاب الدائم في الثقافة البصرية.