ما قل ودل: النفق المظلم الذي أدخلتنا فيه لجنة الانتخابات الرئاسية

نشر في 03-06-2012
آخر تحديث 03-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 المستشار شفيق إمام انتخابات الإعادة لرئاسة الجمهورية في مصر التي ستجري يومي 16 و17 يونيو الجاري بين رئيس حزب العدالة والحرية د. محمد مرسي، المنبثق عن جماعة "الإخوان المسلمين" والفريق أحمد شفيق رئيس أول حكومة شكلها الرئيس السابق حسني مبارك، باعتبارها حكومة إنقاذ لنظامه الفاسد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، أدخلتنا في نفق مظلم، لا نعرف مداه.

ولم يكن هذا النفق المظلم هو الأول ولن يكون الأخير، فالثورة التي قام بها الشباب النقي الطاهر، الذي التف حوله الشعب بأكمله ليبهر العالم كله، لا تكاد تخرج من نفق حتى تدخل في آخر.

وسيدخلنا الحكم القاضي بالسجن المؤبد لكل من الرئيس السابق حسنى مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، بدوره في نفق مظلم آخر.

فلا يكاد الشعب المصري يخرج من نفق مظلم حتى يدخل في نفق مظلم آخر منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير.

وأزعم أن النفق المظلم الخاص بانتخابات الإعادة قد أدخلتنا فيه اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، عندما أصدرت قرارها بشطب الفريق أحمد شفيق من انتخابات الرئاسة، على سند من قانون العزل السياسي الذي يوجب على اللجنة شطبه، ثم عندما أصدرت بعد يومين قراراً جديداً بوقف تنفيذ قرارها الصادر بشطبه لدى نظرها التظلم المقدم من الفريق شفيق، وأحالت قانون العزل السياسي إلى المحكمة الدستورية للفصل في عدم دستوريته.

وقد أفهم قرار اللجنة بشطب الفريق أحمد شفيق ولكني لا أفهم قرار اللجنة بوقف تنفيذه، لأنها بذلك تكون أوقفت العمل بقانون العزل السياسي، وهو الأمر الذي لا تملكه اللجنة بل ولا تملكه المحكمة الدستورية ذاتها قبل الفصل في دستورية القانون من عدمه، وأساس ذلك قاعدة أساسية تحكم رقابة دستورية القوانين، هي قرينة الدستورية لمصلحة القانون.

قرينة الدستورية لمصلحة القانون

وتقضي هذه القرينة بأن الأصل هو سلامة التشريع، وأن قانون العزل السياسي يصبح مع هذه القرينة محمولاً على الصحة إلى أن تقضي المحكمة الدستورية بعدم دستوريته.

وهي القرينة التي تبنتها في مصر المحكمة العليا التي أنشئت بالقانون رقم (81) لسنة 1969 لرقابة دستورية القوانين، حيث يقول أول رئيس لها المستشار بدوي حمودة في تقديمه الجزء الأول من مجموعة أحكام هذه المحكمة إن "رقابة دستورية القوانين التزمت بالأصول والضوابط التي استقرت في أعرق الأمم وأسبقها إلى الأخذ بهذا النظام وأول هذه الضوابط قرينة الدستورية لمصلحة القوانين". ويقول د. فتحي عبدالصبور أحد رؤساء المحكمة الدستورية العليا في تقديمه الجزء الثاني من مجموعة أحكامها "إن الأصل في القضاء الدستوري هو- قرينة الدستورية- بمعنى أن الأصل أن التشريعات إنما تأتي متفقة مع الدستور ما لم يثبت العكس بجلاء بحكم تصدره المحكمة الدستورية".

ولا أفهم!

أن تقرر اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التي يرأسها رئيس المحكمة الدستورية المستشار الفاضل فاروق سلطان، الأكثر بصراً والأعمق فهماً لتفسير نصوص قانون المحكمة الدستورية، والذي أرسى مبادئها واتجاهاتها مع من سبقه من رؤساء المحكمة السابقين، أن المحكمة الدستورية لا تقوم ولايتها في الرقابة على دستورية القوانين إلا باتصالها بدعوى مرفوعة أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، فترى هذه المحكمة أو الهيئة عدم دستورية القانون أو نص فيه لازم للفصل في الدعوى، فتوقف نظر الدعوى المقامة أمامها وتحيل الأوراق إلى المحكمة الدستورية للفصل في المسألة الدستورية.

وبفرض التسليم جدلاً بأن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية قد نصّبت نفسها محكمة، وهي لا تعدو أن تكون لجنة إدارية ولو كانت مشكلة تشكيلاً كاملاً من رجال القضاء، شأنها في ذلك شأن المجلس الأعلى للقضاء المشكل بكامله من رجال القضاء، فقراراته لا تعدو أن تكون قرارات إدارية، والفارق بينهما أن قانون الانتخابات الرئاسية قد حصن قراراتها من أي طعن قضائي.

فلم يسبق للمحكمة الدستورية ذاتها طوال تاريخها الطويل العريض أن أوقفت تنفيذ قانون إلى أن تفصل في مدى دستوريته.

الخروج من المأزق

إن الخروج من هذا المأزق يتطلب ما يلي:

أولاً: أن يحدد المستشار الفاضل فاروق سلطان بوصفه رئيساً للمحكمة الدستورية جلسة عاجلة لنظر المسألة الدستورية التي أثيرت أمام لجنة الانتخابات الرئاسية.

ثانياً: أن يتنحى عن رئاسة المحكمة الدستورية عند الفصل في الدعوى الدستورية الخاصة بالفريق أحمد شفيق، لسبق إبداء رأيه في الدعوى.

ثالثاً: أن يتدخل أي من المرشحين أو المواطنين في الدعوى سالفة الذكر ليدفع أمام المحكمة الدستورية بعدم اتباع الإجراءات التي تنص عليها المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية، في إحالة الدعوى الدستورية إلى المحكمة.

ويقيني أن المحكمة الدستورية ستقضي بعدم قبول الدعوى الدستورية المقامة أمامها لعدم اتصالها بها اتصالاً صحيحاً.

فلا يمكن لهذه المحكمة أن تتنصل من قضائها المستقر في هذا الصدد، خصوصاً إذا كان المطلوب هو إنقاذ مصر من نفق مظلم لا نعرف مداه إذا فاز أحد المرشحين؛ د. محمد مرسي أو الفريق أحمد شفيق.

وسيكون حكمها سجل فخار لها يضاف إلى أمجادها السابقة.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top