هل يستطيع زعيم اليابان الجديد النهوض بالبلاد من جديد؟

نشر في 22-12-2012
آخر تحديث 22-12-2012 | 00:01
وعد رئيس الوزراء الياباني المنتخب أخيراً شينزو آبي باستعادة فرص بلاده عن طريق عملية إنفاق ضخمة وسياسة خارجية أكثر جرأة واندفاعاً... والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: هل سيتمكن من الوفاء بوعوده وتحقيق ذلك؟
 ذي إندبندنت   قبل خمس سنوات كان شينزو آبي يذرف الدموع وهو يعلن استقالته كزعيم ياباني بعد إصابته بمرض دفعه إلى تمضية فترات طويلة من الوقت في الحمام، ومعروف أن مرض التهاب غشاء القولون المخاطي الذي أصيب به شينزو آبي حينذاك يجعل المريض عرضة للإسهال، ويتفاقم تأثيره نتيجة الضغوط والإجهاد، وهي حالة غير مريحة بالنسبة إلى رجل يضطر إلى الجلوس لساعات طويلة في اجتماعات سياسية ويتعامل مع وسائل إعلام عدائية. وقد أظهرت صوره الواهنة وهو يعاني أعراض هذا المرض على شاشات التلفزة الوطنية في اليابان، أن شينزو ابن العائلة الثرية المثقفة غير راغب في تولي ذلك المنصب.

وبنفس القدر، أثارت عودة آبي دهشة الكثير من المواطنين اليابانيين، وهو يعود مجدداً لقيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي LDP المحافظ إلى تحقيق نصر كاسح في الانتخابات العامة التي جرت في اليابان الأحد الماضي. وقد تمكن الحزب من إلحاق هزيمة ساحقة بمنافسه الحزب الديمقراطي اليساري DPJ الذي فقد ثلثي قوته الانتخابية وخسر ما لا يقل عن 8 وزراء مقاعدهم بمن فيهم كبير المتحدثين باسم الحزب ووزير المالية في الحكومة السابقة.

وتتسم عودة آبي السياسية بأهمية كبرى لأنه يبدو وكأنه يعرض الكثير من سياسته التي ترجع الى خمس سنوات خلت: وجهة نظر متشددة إزاء السياسة الخارجية في الخارج وسخاء في الإنفاق على المشروعات والأشغال العامة في الداخل.

تحديات هائلة

تواجه الحكومة اليابانية الجديدة تحديات هائلة تتمثل بوجود اقتصاد شهد تراجعاً وهبوطاً لفترة امتدت الى أكثر من عقدين من الزمن، وأعلى معدل للدين العام في العالم المتقدم إضافة الى قوة عمل متقدمة في السن. وتكافح بعض الشركات اليابانية التي كانت متميزة وساطعة في الماضي، مثل "سوني" و"شارب" في مواجهة خسائر قياسية. كما أن المناطق الشمالية الشرقية من اليابان التي تعرضت للتدمير في الكارثة الثلاثية التي ضربتها السنة الماضية بدأت عمليات إعادة بناء متواضعة. يشار إلى أن اثنين فقط من مفاعلات اليابان الخمسين يعملان في الوقت الراهن في خضم جدل مرير حول مستقبل الطاقة النووية انطلق بقوة منذ كارثة محطة فوكوشيما.

كان العلاج الذي طرحه الحزب الليبرالي الديمقراطي المحافظ لافتاً ومثيراً للدهشة، حيث تمثل بزيادة طموحة في الإنفاق على الأشغال العامة من عبر تيسيير نقدي ضخم، وهي السياسة ذاتها التي ساعدت الحزب على البقاء في السلطة لأكثر من نصف قرن حتى سنة 2009. ويعول آبي على قدرته على إخراج الاقتصاد الياباني الذي يحتل المركز الثالث في العالم من مسار تضخمي تصاعدي ابتليت البلاد به لسنوات طويلة. ومن المرجح أيضاً أن يعمل على تشغيل مفاعلات اليابان ومواجهة المحتجين المناوئين للطاقة النووية، وتنطوي هذه الاستراتيجية على مجازفة سياسية كبيرة.

غير أن وصفة آبي لما يراه تراجعاً في الثقة الوطنية قد تنطوي على قدر أكبر من المجازفة، وهو يريد ضخ المزيد من التربية القومية في المدارس وتخفيف الإشارات المتعلقة بجرائم الحرب اليابانية، كما أنه يأمل في تحقيق مركز منشود منذ وقت طويل من خلال تحديه لدستور اليابان الذي ينزع إلى السلام ونبذ العنف. وهذا الدستور الذي تمت صياغته خلال احتلال الولايات المتحدة لليابان في فترة ما بعد الحرب ينص على أن أي مراجعة ستنطوي على تأثير عميق في علاقات طوكيو الهشة مع بكين.

ويتمثل الاختبار المتعلق بوعد آبي لتحقيق نوع ما من إصلاح العلاقة مع الشريك التجاري الأكبر لليابان مع الدفاع بقوة عن المصالح القومية ضد ما يعتبره المحافظون هيمنة صينية تتمثل بالنزاع حول جزر سنكاكو. وقد اتهمت الصين جارتها اليابان "بسرقة" ما تطلق عليه جزر "ديايوس" خلال ذروة استعمارها وتعهدت بالدفاع عنها، وهو تهديد تعزز من خلال حوادث تغلغل قامت بها طائرات وزوارق صينية داخل المياه المجاورة. وقد راهن آبي بقدر كبير من الرصيد السياسي على دفع الصين إلى التراجع، وقال في نوفمبر الماضي وفي مقارنة هذا النزاع بمعركة بريطانيا في جزر فوكلاند في سنة 1982: "إن جزر سنكاكو يابانية بصورة متأصلة وأساسية، ونحن سوف نحمي أراضينا بشكل لا لبس فيه ولا غموض".

موقف كوريا الجنوبية

لن تكون كوريا الجنوبية سعيدة بانتخاب آبي أيضاً، فقد قدم تعهدات مماثلة في ما يتعلق بقضية جزر "تاكيشيماس"، وهي مجموعة أخرى من الجزر التي تطلق عليها سيؤول "داكدو"، والتي يدعي الجانبان ملكيتها. ولعل الأشد ضرراً بالنسبة إلى العلاقات بين أكثر ديمقراطيتين في شرق آسيا قوة ما صدر عن آبي من تصميمه على التراجع عن الإقرار أو الاعتراف بالذنب حيال قضية أثارت حنق وغضب الكوريين الجنوبيين- استعباد اليابان في وقت الحرب لما يصل إلى 300 ألف من النساء الكوريات والآسيويات.

كانت عودة آبي مؤثرة وقد تمت بمساعدة طبية خففت من مشكلته الصحية وبدا أكثر اعتداداً بالنفس. غير أن التمعن في انتصار الحزب الليبرالي الديمقراطي المحافظ يشير إلى أن الأمر ليس مثيراً كما يبدو عليه، فقد كانت أعداد الناخبين في الانتخابات الأخيرة يوم الأحد الماضي هي الأدنى منذ انتخابات سنة 1996، حيث تراجعت بنحو 11 مليوناً عن أرقام عام 2009، ولم يحرص الملايين من الشبان على الاقتراع، وهي حالة خدمت الناخبين المحافظين الأكبر سناً والذين يقترعون بشكل تقليدي لمصلحة الحزب الليبرالي الديمقراطي.

وينسب إلى آبي صراحته أخيراً حول نتيجة الانتخابات، حيث اعترف بأنها كانت تصويتيا أقل من أنها اقتراع بالثقة على حزبه أو تعبير عن اليأس من سلفه، وقال في تصريحات له لمؤسسة البث الياباني "إنها رد على آخر ثلاث سنوات من التشويش السياسي، ويتعين علينا الآن أن نظهر أننا نستحق ذلك الانتصار".

القادة السابقون

شهدت الساحة السياسية في اليابان دخول خمسة رؤساء للوزارة وخروجهم منذ استقالة شينزو آبي في سنة 2007، وقد اضطر خليفته السياسي المحنك ياسو فوكودا إلى تقديم استقالته في سنة 2008 تحت تأثير فضيحة سياسية وحدوث انكماش اقتصادي في البلاد. ثم جاء تارو آسو وهو أيضاً من الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي اضطر إلى التنحي في سنة 2009 نتيجة أكثر من زلة وسوء تصرف، واستقال يوكيو هاتوياما في سنة 2010 بعد إخفاقه في تنفيذ وعود قطعها خلال حملته الانتخابية، وتمكن ناوتو كان من تحويل الاقتراع لمصلحة حزب يسار الوسط "حزب اليابان الديمقراطي"، لكنه اضطر أيضاً إلى الاستقالة بعد سنة من توليه منصبه وسط انتقادات لطريقته في معالجة كارثة الهزة الأرضية والتسونامي في سنة 2011. ثم تسلم يوشيهيكو نودا من حزب "اليابان الديمقراطي" المهمة غير أنه واجه عقبات سياسية مهدت السبيل لعودة شينزو آبي إلى الواجهة مجدداً.

* David Mcneill

back to top