يحزّ في النفس أن ترى ثورة عظيمة كالثورة السورية التي أبهرت العالم بإرادتها وإصرارها اللامتناهي على نيل حريتها وكرامتها دون حساب للتضحيات التي فاقت بحجمها تضحيات كثير من ثورات الحرية في العالم، وتملك معارضة هزيلة بهذا الشكل الذي نراه، والتي باتت ألعوبة بيد الخارج؛ فهذا يشكلها، وذاك يمولها ويوجهها، وآخر يقطع الهواء عنها، وتلك تعنّفها وتشير إلى إعادة تشكيلها بل هيكلتها.
وقطبة مخفية تستدعي وجهاً معارضاً من الداخل لتحمّله مشروعاً ينسب إليه زوراً، ويؤمر بتسويقه كمخرج وحيد للأزمة وسط تهافت معارضي الخارج لكسب الشرعية الجديدة، معلنين الولاء والطاعة والبراءة من المجلس السابق دون أي اعتبار لأهمية وعظمة هكذا ثورة وهكذا شعب.انتهاء صلاحية سدنة "المجلس الوطني" المزمع تجديده أو استبداله في قطر لم يأتِ من فراغ؛ لأن وجودهم كان مشروطا بالتعبير الأمثل عن مشروع الثورة، وحشد الدعم اللازم لها داخلياً وخارجياً بعيداً عن التسول، واستجداء الشرعية، واستيعاب المكون المعارض بكل أطيافه، وأي خلل أو تقصير في الأداء يفقدهم مبرر وجودهم.هذه هي الشروط الموضوعية واللازمة لقيادة أي ثورة، و"المجلس الوطني" لم ينجز أياً من هذه الشروط؛ مما أضحى عبئاً على الثورة ونقطة ضعف لها، لعدم فهم ومعرفة قيادته لأبجدية الثورات وفلسفتها بالاستراتيجية والتكتيك والقراءة والاستقراء.والشرعية لم تكن يوماً "وكالة عامة غير قابلة للعزل" بل هي مهمة مقدسة يجب عدم التهاون فيها أو التسويق الذاتي من خلالها أو إلغاء الآخرين باسمها، وهذا ما وسع الهوة بينه وبين الداخل؛ مما دفع ببعض أعضائه إلى المغامرة والتسلل إلى الداخل لالتقاط بعض الصور مع الثوار ربما تساعد على تقريب المسافات، ولكن لا جدوى لأن اللوحة الخلفية المتمثلة بـ"الوزيرة كلينتون" قالت كلمتها في شرعيتهم واستمرارهم إن لم "يتهيكلوا" في الوضع الجديد القطري المكان، وهرولتهم إلى الصيغة الجديدة ما كانت لتتم لولا فقدانهم للجذور الثورية.حالة التخبط بالجسد المعارض السوري لن تتوقف عند مجلس أنقرة أو مجلس قطر، بل ستمتد إلى أي مجلس يأخذ شرعيته من السفارات أو من وحي الوزراء، وهذا مرده إلى الولادة غير الثورية لهذه المجالس، والتي جاءت بفعل التلقيح الصناعي ومن حمل خارج الرحم، ومن رضاعة غير ثديية؛ مما أصابها بضعف المناعة التي أفرزت أمراضاً عديدة مستعصية العلاج عكس الطبيعية المنشأ، فتبقى متجذرة وتنحني مع الريح ولا تنكسر مع العاصفة ولا تقبل التملك والإعارة.مبادرة "سيف... فورد" التي سيقت الأطراف المعارضة إليها لا تختلف كثيراً عن سابقاتها، حيث "المحاصصة" وتغيير الوجوه والتوسع الاسمي، ولو كان من غير رصيد لأن الهيكل الجديد بات مطلوباً لإقامة تسوية باسمه، وعلى ما يبدو باتت ناضجة بعض الشيء وباتفاق دولي لئلا تتأسلم الثورة بالكامل، وتشكل خطراً على إسرائيل وعلى المصالح الدولية بالمنطقة، وملامح الأصولية باتت واضحة في يوميات الثورة.ندرك أهمية الدعم الدولي للثورة السورية، وندرك أيضاً عمق هواجسه من التطرف، وأهمية مصالحه في سورية والمنطقة عموماً، ولكن يجب أن يدرك المجتمع الدولي أيضاً أن إدارة الظهر وترك الشعوب تسبح بدمها على يد جلاديها لهما ثمن أيضاً، لكن مأساتنا ليست هنا فحسب، بل في جسدنا المعارض الذي يجرجر كالخراف خارجياً إلى التسويات فرادى وجماعات؛ مما يُفقد الثورة هيبتها وزخمها ويقلص الدعم عنها. والمعضلة الثانية تتمثل بضعف وتآكل معارضي الداخل، بل اعتمادهم على متآكل آخر- الجامعة العربية- في الحل رغم صفاء أجندتهم ووطنيتها... فثوار الأرض، السلمي منهم والمقاتل، هم الأمل المتبقي لنا في تحقيق إنجاز وطني يقي الثورة شر التدخلات الخارجية، ويحقق الحرية والكرامة لشعبنا المقاوم.
مقالات
سورية... تنوعت المجالس والعملة واحدة!
10-11-2012