تجربتنا الطويلة مع حكومتنا، وأظن أن خمسة عقود كافية، تؤهلنا لئلا نثق بحديثها عن الديمقراطية، أو التزامها بمبادئ الدستور، بل نراها تتحين الفرص لتزوير هنا وحل غير دستوري هناك (مرتان)، وتلاعب في الدوائر الانتخابية، وتطويع الأجهزة الحكومية لتسويق مرشحيها بكل الوسائل والسبل. إلا أنه بالمقابل نشأت في ذات الأجواء والممارسات نخب وقيادات سياسية تبدو عليها ملامح معارضة للحكومة قولاً، ويعلو صوتها دفاعاً عن الدستور، إلا أنها في واقع الأمر تتفق مع الحكومة على وأد الدستور والضرب بمبادئه عرض الحائط، فهي ضد الحريات العامة وضد مبادئ العدالة والمساواة، ومع الطرح العنصري والطائفي بلا تردد. قد يصدر حكم المحكمة الدستورية غداً أو قد يؤجل حتى حين، أو ترفض المحكمة طعن الحكومة أو تقول بعدم الاختصاص، كما أنها قد تحكم بعدم دستورية قانون الانتخاب، وسواء كان هذا أو ذاك، فإن ذلك لا يعني خروجاً من الأزمة وحالة الاحتقان المستمرة المزمنة، بل ستستمر تداعياتها، حتى ندخل في أزمة أخرى. الخروج من الأزمة يتطلب أولاً اعترافاً وإدراكاً بالعجز لدينا جميعاً، كل الأطراف دون استثناء، وإدراك الحكومة، والحكم، لا فرق، بأن منطق الاستئثار لن يؤدي إلا إلى كوارث، كما ثبت بالدليل القاطع، فتجربتنا في 1967 و1976 و1986 يفترض أن تكون معالم في الطريق، كما أنه صار لزاماً على بقية ألوان الطيف السياسي أن تعترف بعجزها عن الاستمرار في الحالة المهلهلة التي تجمع الشيء ونقيضه، وأن يعلن الجميع التزامهم بالدستور ومبادئه كلها جملة وتفصيلاً، قولاً وفعلاً. لكي تنمو الديمقراطية وتثمر لابد أن يمارسها ديمقراطيون، وحتى الآن، فإن ديمقراطيتنا، إن وجدت أصلاً، تعاني من نقص حاد في المؤمنين بها، وحتى يتم ذلك فلن يخرجنا من الأزمة حكم محكمة، أو انتخابات قادمة، بل سنخرج من أزمة لندخل في أخرى ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخر كلام
ديمقراطية بلا ديمقراطيين
24-09-2012