مانديلا بين الحقيقة والخيال
![أ.د. غانم النجار](https://www.aljarida.com/uploads/authors/30_1682522974.jpg)
رجل حُكِم عليه بالمؤبد منذ 1964 وتعرض لكل أنواع الأذى بتهمة الانضمام إلى المؤتمر الوطني الإفريقي، لم ينكر التهم بل تحدى النظام وظل مؤمناً بمجتمع لا عنصري.لم يدع أبداً إلى حقوق السود أو سيطرتهم بحكم أغلبيتهم بل ظل يدعو إلى بلد تتعايش فيه الأعراق والديانات، وهكذا ظل 27 عاماً في السجن، وحين حانت الفرصة التاريخية ورضخت الحكومة تحت الضغط الدولي وبدأ الرئيس دي كليرك زيارته بالسجن مد يده وانخرط في التفاوض وهو في السجن، معطياً معنى جديداً لمفهوم القوة، وهو أن يكون المسجون أقوى من السجان.عندما خرج من السجن لم ينتقم بل بحث عن سجانه ليعانقه أمام الإعلام ليعطي للشعب درساً في التسامح وبناء المستقبل، وينشئ بعدها لجان الحقيقة والمصالحة القائمة على تخفيف الاحتقان لبناء مجتمع موحد. في كتابه "خطوة طويلة للحرية" يقول إن أشد ما آلمني عندما بدأت التفاوض مع دي كليرك وأنا في السجن هو ظن بعض رفاقي السوءَ بي واتهامي بأنني قد بعت القضية، إلا أنه لم يكن له أن يحقق ذلك إلا بمؤسسة راسخة في عدم التمييز كحزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي احتفل منذ فترة قريبة بعيد ميلاده الـ150.صورته التاريخية وهو خارج من السجن كانت حقاً رحلة طويلة للحرية"أخيراً أصبحنا أحراراً، إن الخطوة للحرية من أصعب الخطوات" ووجوه مانديلا ومارتن لوثر كنغ ومهاتما غاندي وغيرهم وجوه تصدت للطغيان بوسائل سلمية، وزرعت معنى مضاداً للتمييز والحرب والقتل والدمار والغرور الفارغ.عندما نتحدث عن تغيير المستحيل في التاريخ الحديث لا تنظر أبعد من جنوب إفريقيا، شيء من الخيال وشيء من الحقيقة.قضى منديلا 27 سنة في السجن ومضى على خروجه منه 22 سنة، واحتفل قبل أيام بعيد ميلاده الـ94 كأنه يريد أن يكمل ذات الفترة في الحرية مثل تلك التي قضاها في السجن، من يدري؟