أميركا تتغاضى عن جرائم الأسد لحساب تل أبيب
الصورة واضحة في سورية وخباياها لا تحتاج إلى خبراء ومحللين عظام، فالغرب أو "المجتمع الدولي" بزعامة الولايات المتحدة قد سلم قراره في أحداث ومذابح سورية إلى إسرائيل، التي تريد أن تستمر المذابح والقتل في سورية حتى تدمر البنية التحتية والبشر والاقتصاد وكل مقدراتها، كي تنشغل دمشق لعشرات السنين مستقبلاً بإعادة الإعمار وبناء نفسها مجدداً كدولة يمكنها أن تمثل تحدياً أو تهديداً لإسرائيل، أو تطالب بأي حقوق لها، أو تكون نداً لتل أبيب في أية مفاوضات سلام قادمة.المؤامرة يشارك فيها جميع قيادات المجتمع الدولي بما فيهم الروس، وإلا فهل يتذكر أحد أنه في العشرين سنة الماضية سمح المجتمع الدولي لأي نظام أن يدك سلاحه الجوي مدنه ويسويها بالأرض ويقصف المدنيين دون أن يتحرك على الفور، أو أن يسكت العالم على أن يكون في بلد ما مئة قتيل يومياً من المدنيين دون أن يتدخل، لم يحدث ذلك منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ولا يمكن أن يسمح في عام 2012 أن يشاهد العالم على شاشات التلفزيون طائرات مقاتلة نفاثة تقصف المدنيين وتسوي مدنهم، بل إنه في حالات مثل الصومال ورواندا والبوسنة وكوسوفو تحرك المجتمع الدولي أو القوى الراغبة دون حتى تغطية بقرار دولي من الأمم المتحدة، ولكن في الحالة السورية فإن كل الجرائم المثبتة والفظيعة والموثقة بالصورة والصوت يومياً، والتي لم تكن متوافرة حينئذ في رواندا والبوسنة، لا تحرك المجتمع الدولي، لأن إسرائيل تريد أن يقضي النظام المجرم السوري على شعبه ومقدراته.
ولكن شواهد التاريخ وتجارب أفغانستان ولبنان تؤشر إلى أن تل أبيب وواشنطن ومن يشاركهما هذه الخطة يلعبون بالنار، لأن امتداد فترة عسكرة المجتمع السوري وانتشارها في كل نواحيه، وتأقلم السوريين فترة طويلة مع الفوضى وحمل السلاح وتجرع مآسي الإبادة خطر داهم لا يمكن إعادته إلى سيطرة دولة نظامية، وسيمكن ذلك الجماعات المسلحة بعد تدمير الجيش السوري في حرب أهلية طويلة وغياب الدولة، وفي ظل التضاريس السورية المتنوعة والجبلية منها أن تستوطن وتفرخ عشرات الحركات المشابهة لـ"حزب الله" في لبنان و"طالبان" في أفغانستان اللتين نشأتا وترعرعتا في مكانين عمتهما الفوضى والحروب الأهلية وغياب الدولة فترات طويلة.القرار الإسرائيلي بالسماح لبشار الأسد ونظامه بتدمير بلده وقتل شعبه، والذي تستجيب له واشنطن ومعظم الدول الغربية، بتجاهلها الجرائم غير المسبوقة في حق الشعب السوري من النظام الأسدي إلا بشجب لفظي ومناورات سياسية في الأمم المتحدة، ومؤتمرات أصدقاء سورية الشكلية، وتصريحات هيلاري كلينتون "البلوشية"، انعكاس لرضوخ كامل ودون تدقيق عقلاني للرغبة الإسرائيلية، وذلك واضحاً أيضاً في وسائل الإعلام الغربية مثل الـ"سي إن إن" وغيرها من محطات أوروبية وأميركية كانت تغطي أحداث بنغازي في ليبيا بشكل مكثف، وتحذر من قصف طائرات القذافي للمدينة، وتعتبره جريمة دولية كبرى تستدعي التحرك الفوري، فهذه القنوات الإعلامية ذاتها تغطي قصف طائرات الأسد (ميغ 23) لمدينة أعزاز وحلب بشكل عابر دون ذكر لعدد القتلى اليومي، وهو ما يكمل الصورة تجاه ما ينوي الثنائي الإسرائيلي-الأميركي وحلفاؤهما فعله تجاه الشعب السوري الذي يتلاعبون به بمناوراتهم السياسية، ويغضون نظرهم عما يعيشه من جرائم العصر، التي لم ولن يُسمح بحدوثها لأي شعب في العالم إلا للشعب السوري، الذي سيكلف العالم، وبصفة خاصة أميركا وإسرائيل، غالياً لسكوته عما يحدث، وسيكون الثمن أكثر كلفة على واشنطن وتل أبيب من أخطاء الأولى في أفغانستان والثانية في لبنان.