يبدو أن الحديث عن مجلس الأمة أضحى يطغى على ما عداه من أحاديث، فلا يخلو نقاش عام في أي مكان من التطرق إلى دور المجلس وتصرفات أعضائه واقتراحاتهم وحتى سلوكهم وطريقة حديثهم وأحيانا حياتهم الخاصة. ازداد حديث الناس حول المجلس بعد الانتخابات الأخيرة التي أتت بعد حراك شعبي وشبابي قوي ومؤثر ومتغيرات إقليمية جذرية رفعت سقف التوقعات السياسية، وأفرزت أغلبية برلمانية كانت غالبية أعضائها يشكلون معارضة للنهج السابق الذي كان يقوده رئيس الوزراء السابق.

Ad

بشكل عام يمكن تقسيم مواقف غالبية الناس من تركيبة المجلس خصوصاً ما يسمى "كتلة الأغلبية" إلى قسمين رئيسيين، أحدهما يؤيدها بقوة بغض النظر عن صواب أو خطأ مواقفها، والآخر يقف ضدها على طول الخط لاعتبارات متعددة، إما نتيجة لافتقاد أدوات التحليل العلمي، وإما لأسباب مصلحية لها علاقة وثيقة بموقف أغلب أعضائها من حلف الفساد ومن رئيس الوزراء السابق.

هذا الانقسام الحاد والعاطفي أحياناً في مواقف أغلب المتابعين لا يجعلهم ينظرون بموضوعية إلى التغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي حصلت في المجتمع وعكست نفسها بشكل طبيعي على تركيبة المجلس، وهو الأمر الذي يجب على أي متابع موضوعي أن يأخذه في الاعتبار عند تحليل تركيبة المجلس. كما يغيب عنهم أن عملية تقييم أداء ما يسمى "الأغلبية" والحكم عليه يجب أن يكون معيارها الأساسي هو مدى التزامها بالمطالب التي طرحت أثناء الحراك الشعبي، وهي تحديداً الإصلاح السياسي والديمقراطي "نهج جديد"، ووقف العبث بالدستور "إلا الدستور"، ومحاربة الفساد "من أين لك هذا؟".

وفي هذا السياق فإنه من الأهمية بمكان عند تقييم أداء ما يسمى "كتلة الأغلبية " الأخذ في الاعتبار النقاط التالية:

أولاً: الحراك الشعبي والشبابي لم يكن مقصوراً على لون سياسي أو مذهبي معين، فقد شارك فيه قطاع واسع من المواطنين وتحديداً الشباب الذين يمثلون فئات ومذاهب مختلفة وتوجهات سياسية متباينة كان يجمعها أهداف ومطالب محددة طرحت بكل وضوح أثناء الحراك الشعبي.

ثانياً: الاصطفاف الشعبي والشبابي الذي قاد الحراك الشعبي حول مطالب محددة لا يعني بالضرورة وجود اتفاق فكري وسياسي بين جميع المشاركين فيه، كما لا يعني أن جميع من شاركوا في الحراك متفقين على كل شيء في ما بعد على اعتبار أن لكل مرحلة سياسية ظروفها وطبيعة تحالفاتها.

ثالثاً: أن ما يسمى "كتلة الأغلبية" ليس سوى كتلة برلمانية غير متجانسة سياسياً وفكرياً ما يجعل الاختلاف بين أعضائها وارداً جداً إن لم يكن في الوقت الحالي فسيكون في المستقبل القريب نتيجة لتباين مصالحهم الاقتصادية، ناهيكم عن أن طبيعة نظامنا البرلماني والسياسي تجعل بعض المسميات المستخدمة إعلامياً مثل الأغلبية والأقلية مسميات لا معنى حقيقياً لها على أرض الواقع بل إنها مسميات إعلامية أكثر منها سياسية.

لكل ما سبق، فإنه ليس هناك موقف ثابت بتأييد أو معارضة ما يسمى "كتلة الأغلبية"، بل إن ذلك يرجع بالدرجة الأولى إلى مدى التزامها بالمطالب الشعبية التي طرحت أثناء الحراك الشعبي مع الأخذ في الاعتبار أن الاختيار الواعي بين حلف الفساد، خصوصاً الفساد السياسي بكل تلاوينه، وبين من يحاربونه حتى لو بالحدود الدنيا سيكون، من دون شك ولا ريب، لمصلحة محاربي الفساد، إذ لا إصلاح سياسياً ولا تنمية مع الفساد.

من الضروري انتقاد مواقف ما يسمى بـ"الأغلبية" ومعارضتها إن أخطأت، لكن بشرط ألا يكون ذلك من خلال الارتماء بأحضان "فلول" الفساد وتحقيق مصالح رعاته.