ثورات حرية... أم تأزيم؟!

نشر في 01-05-2012
آخر تحديث 01-05-2012 | 00:01
No Image Caption
 تركي الدخيل ربما كانت الثورة المصرية من أكثر الثورات سخونة وإثارة للعاطفة في حينها، ذلك أنها مليئة بالصورة المعبرة، وبالنكتة، وبخفة الدم، وبالأسلوب المصري المعتاد، ولأنها جاءت عبر الفاعلية الشبابية. كانت الثورة في حينها صادقة، لأن شرارتها كانت من شباب ساءهم أن يقتل مجايلهم في مركز شرطة، حيث لفظ خالد سعيد أنفاسه، وكانت الشرارة التي أججت الشباب ليخرجوا بصدورهم العارية في الميادين تحدياً للنظام. انقسم الناس في تفسير الحدث، بين من رأى فيه مجرد "انقلاب عسكري" قاده الجيش، ومن يرى أنها ثورة فعلية، وأن الجيش يحمي الثورة ويضبطها، وأياً يكن التفسير فإن الثورة المصرية انحرفت عن مسارها.

منحت الثورة البعض حالة من "النرجسية" و"الفوقية". يشعر الثائر أنه هو الذي أسقط النظام، ثم يتغنى بالأمجاد، ويريد كل واحد من الثائرين أن يشكل البلد على مزاجه هو. يتوزع الثوار، بين متظاهر أمام السفارة السعودية، وفئة أخرى تحتج أمام دائرة حكومية، وثالثة تزحف في هذا الميدان أو ذاك. كل فرد يدعي أنه ثائر وله حق في توجيه مسار الثورة. والنرجسية تطورت لتصبح فوقية متعالية ضد العالم، يرفضون أن يخضع أحد من الناس للقانون. وحين يحتجز المحامي في قضية مخدرات يغضبون، يظنون أن الثوار فوق القانون. مع أن المحامي سواء كان ثائراً أو غير ثائر فهو يخضع للقانون. ثورة الثائر لا تجعله فوق النظام. بل الكل سواسية، والنرجسية التي يتمتع بها الفرد ذاتياً لا تعني أنه بحصانة من القانون حين يزور البلدان الأخرى. فالثائر ليس على رأسه ريشة ليكون فوق القانون ومتعالياً عليه.

يدافع بعض المهووسين والمأخوذين -حتى الآن- بنشوة الثورة عن المحامي المقبوض عليه، بحجة أنه ناقد للسعودية، وأن الأخيرة وضعت الحبوب في شنطته! مع أن معظمنا لم يعرف الجيزاوي إلا بعد القبض عليه. ولو كانت السعودية ستظلم أحداً لفعلت ذلك مع ألّد أعدائها من الإيرانيين وسواهم الذين يأتون إلى الحرمين بكل حرية وطلاقة ولم يعترضهم أحد. قياديون سياسيون ضد السعودية يعادونها بوضوح ومع ذلك تمنح لهم فرص العمرة والحج، ولم تضطر إلى دس الحبوب مع هذه الشنطة أو تلك، لكنها نشوة الثورة والنرجسية الساذجة التي تجعل الثائرين يظنون أن لهم قداسة على الناس، وأنهم فوق القانون.

هذه مشكلة الثورات عامة، والثورة المصرية خاصة، أنها أوهمت الثائرين بقداستهم الموهومة. ومع مجيء الحركات الإسلامية المتشددة للحكم غاب الشباب، لم يظهر وائل غنيم، وإنما محمد سعد الكتاتني. غاب الشباب وحضرت الأسماء الحركية المتطرفة، امتطى الإخوان ثورات الشباب. وبدأ الفرز في العلاقات المصرية على أساس الأيديولوجيا الإخوانية. بدأوا استهداف الخليج الذي يعلمون أنه يريد التنمية والتطور بعيداً عن الأزمات الأيديولوجية. مشكلة الإخوان أنهم يريدون تحويل البلدان إلى مختبرات تجارب لأزماتهم السياسية، هذا هو الذي فعلوه مع السعودية ومع دول الخليج التي تحصن نفسها من الإخوانيين الذين يفسدون الدين بإدخاله في السياسة، ويؤسسون تنظيمات سرية خطيرة ومدمرة.

هذه هي مشكلات الثورة المصرية، أزمات متعددة، نفسية واقتصادية واجتماعية. هُزم الشباب الذين ثاروا وعادوا إلى بيوتهم قسراً، غُلب وائل غنيم بسلاح الكتاتني وجماعته وحركته. والذي يجري في مصر الآن من نرجسية عالية، وطغيان فج على الآخرين وعلوهم ضد القوانين لا يدمر إلا مصر نفسها. الخليج آوى العاملين المصريين، وهذا ما لم تفعله إيران، 47 في المئة من العاملين المصريين في الخارج يعملون بالسعودية، فلا معنى للتصعيد الأجوف مع بلدان تحتاجها مصر كثيراً. فهل تذهب النشوة وتأتي الفكرة؟!

back to top