كان عمره تسعة عشر عاماً عندما تأزمت الأمور بين الشيخ أحمد الجابر -رحمه الله- والمجلسيين الذين سمح لهم الحاكم بانتخاب مجلس برلماني في عام 1938، وكان سكرتيراً لتجمع شبابي سري هدفه دعم المجلس وتعزيز دوره السياسي، بل كان شاهد عيان على ما تردد من أن برقية بتوقيعه أرسلت إلى العراق تطلب النجدة لأهل الكويت، فثبت بعد ذلك أن مرسلها شخص آخر لا المرحوم أحمد زيد السرحان. التقيته في عام 2005 وأخبرني أنه ترك السياسة خلفه، ولا يحب أن يتحدث عن الماضي، ولذلك لم يكن بإمكاني الحديث معه حول تفاصيل أحداث المجلس التشريعي، فتركز الحديث معه حول حياته الخاصة، وإليكم ما قاله لي ونشرت بعضه في كتاب "الخالدية تاريخ وشخصيات" عام 2005. أخبرني -رحمه الله- أنه ولد في فريج شاوي اظبية بالقرب من "الدهلة"، وبجوار بيت العساف، والنصرالله، والزمامي، والياسين، والقديفي، والسيف، وعثمان الراشد، والمحبوب، والفلاح، وعبدالله البحر، وسلطان الكليب، والحوطي وغيرهم. درس في البداية في المدرسة المباركية، ثم أكمل تعليمه في المدرسة الأحمدية، ثم سافر إلى بغداد عام 1934 لدراسة اللغة الإنكليزية في مدرسة اسمها "فرشمان سكوول" بمحلة السَنَك. وبعد عودته إلى الكويت أخذ يساعد والده في إدارة تجارته الخاصة، ولكنه كان مهتماً بالوضع السياسي في الكويت، فتأثر بمجموعة من الشباب الكويتيين الذين كانوا يرغبون في تطوير الحياة السياسية، وفي عام 1938 أسسوا "الكتلة الوطنية للشباب" لدعم التوجهات الإصلاحية في البلاد، وكانوا يعقدون اجتماعات سرية لبحث أوضاع البلاد وكيفية مواجهتها. لقد كان -رحمه الله- رجلاً جاداً في حياته، وكان مقداماً، ولذلك انتُخب سكرتيراً لكتلة الشباب. وعند تأزم الأوضاع السياسية، التزم الهدوء، وحافظ على توازنه السياسي، فلم يخرج من الكويت، كما خرج العديد من السياسيين المعارضين آنذاك، بل اتجه إلى العمل التجاري مع والده، الذي اشترى محلاً تجارياً كبيراً (المخزن الشرقي) من التاجر عبدالله الملا صالح في عام 1940، وكان موقعه في سوق الغربللي، الذي كان يسمى قبل ذلك سوق "البرشوتن". وركز المرحوم العم أحمد السرحان جهوده على التجارة، وسافر في عام 1951 إلى أوروبا في رحلة طويلة لأول مرة انتهت به إلى سويسرا، وإيطاليا، وفرنسا، وخلالها استطاع الحصول على وكالة ساعات "رولكس"، وأصبح بذلك أول وكيل لهذه النوعية المشهورة من الساعات في الكويت. وقال لي -رحمه الله- إن سفره الطويل إلى أوروبا كان بالسيارة إلى البصرة، ثم بغداد، ثم يركب القطار إلى بيروت، ومنها يركب الباخرة التي تنتقل به من الشواطئ العربية إلى الشواطئ الأوروبية، ثم يستخدم القطار ليتنقل بين العواصم الأوروبية. ورغم انشغاله بالتجارة فإنه كان يتابع تطورات الأحداث السياسية في الكويت، ولم يتجاهل ما كان يجري من تطورات. وعندما سنحت له الفرصة باستئناف نشاطه السياسي، ترشح لأول انتخابات برلمانية عام 1963، فانتخب عضواً، وأصبح أميناً للسر في المجلس الذي ترأسه المرحوم عبدالعزيز الصقر، ثم نائباً للرئيس في المجلس الذي تبعه، ثم رئيساً للمجلس عام 1967، ومرة أخرى عام 1971. وترك بعد ذلك الحياة السياسية، وانشغل في تجارته الخاصة وشؤون عائلته. عرف -رحمه الله- بحبه الشديد للمطربة الراحلة أم كلثوم وكان يتابع حفلاتها منذ الأربعينيات من القرن الماضي، وأخبرني أنه كان يتردد على ديوان الشاعر عبدالله السعد اللوغاني في الحي الشرقي مع مجموعة من الأدباء والشعراء لتبادل الأدب والشعر والاستماع إلى حفلات أم كلثوم التي تذاع بالراديو. رحمك الله أبا خالد، وجعل مثواك الجنة إن شاء الله، وخالص عزائي لأسرته الكريمة.
أخر كلام
صورة لها تاريخ: رحيل شاهد عيان على أحداث المجلس التشريعي 1938/1939
17-08-2012