مصر اليوم في عيد!

Ad

ولِمَ لا، وقد اختارت رئيسها بكل حرية وشفافية ونزاهة، لأول مرة في تاريخها الطويل.

مصر اليوم في عيد!

لأن الأحرار في مصر أصبحوا يقودون الثورة المصرية من الثورة إلى الدولة. وانتخاب رئيس الجمهورية هو أول مدماك قوي وأساسي، في بناء الدولة الحديثة.

لقد اختار المصريون من اختاروه وسيؤكدون هذا الاختيار غداً، وهم مسؤولون عن هذا الاختيار ويتحملون مسؤولياته للسنوات القادمة، التي لا يؤمل أن تكون لها نتائج ملموسة كثيرة، نتيجة لكثرة مشاكل مصر الاقتصادية، والثقافية، والسياسية. ونتيجة لوجود التيار الديني، الذي بدا لنا الآن عقلانياً أكثر مما توقعنا قبل أشهر، وأخاف الكثير منّا، على مصر، ومستقبل مصر.

ظاهرة جديدة جديرة بالإكبار!

الانتخابات الرئاسية المصرية، كانت ظاهرة جديرة بالتنويه والالتفات والتأمل في عالم كالعالم العربي، لم يعهد مثل هذه الظواهر السياسية المهمة، والتي تعيد للشعوب بعض حقوقها المسلوبة.

ومن هنا، كان ترحيب العالم كله، بهذه الظاهرة. فقد رحبت أميركا (بيضة القبان) بهذه الانتخابات، التي اعتبرتها خطوة مهمة للغاية، نحو انتقال مصر إلى الديمقراطية.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند، في هذا السياق، في مؤتمر صحافي بمقر الوزارة: "إنها بداية الجولة الأولى من انتخابات رئاسية تاريخية في مصر. وهذه خطوة مهمة للغاية نحو المرحلة الانتقالية في مصر."

وأشادت السفيرة الأميركية في القاهرة آن باترسون بالأجواء التي جرت فيها أول انتخابات رئاسية بعد الثورة. وقالت باترسون إن الانتخابات تُعد شكلاً من الديمقراطية في العالم الثالث، لا يختلف عمّا نراه في الدول المتقدمة. فكانت لدى جميع المرشحين فرص متساوية في الفوز بالمنصب. وأشارت إلى نسبة المشاركة الجيدة في الانتخابات، وقلة المخالفات. وهي شهادة يعتز بها المصريون ويعتز بها العرب من ورائهم الذين اتهموا بأنهم غير قادرين على تحقيق ما حققه المصريون في الأمس.

«مؤسسة كارتر»: نموذج يُحتذى

وجاءت الشهادة الثانية بنظافة الانتخابات الرئاسية المصرية ونزاهتها، من فريق "مؤسسة كارتر" الدولية، لمتابعة إجراءات سير العملية الانتخابية في مصر. وقد أشاد فريق المؤسسة بالمستوى التنظيمي الرفيع والراقي، الذي لمسوه خلال جولتهم على الدوائر الانتخابية المختلفة. مؤكدين أنهم تابعوا تلك الإجراءات بأنفسهم، وتأكدوا من حسن سير العملية الانتخابية، واعتبروها نموذجاً يُحتذى به، كأول تجربة ديمقراطية، تشهدها مصر بعد ثورة 25 يناير 2011.

وكان فريق "مؤسسة كارتر"، تابع على الطبيعة الخطوات والإجراءات كافة التي تتم باللجان والمقار الانتخابية المختلفة، وتأكدوا من عدم حدوث أي خروقات لها مع الالتزام التام بالتدابير التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية المصرية.

بقعة سوداء في ثوب ناصع!

سبق، وقلنا، إن تجربة الانتخابات الرئاسية المصرية تجربة أولى ورائدة، في حريتها، وشفافيتها. ولكل تجربة أولى أخطاء، وعثرات، لا بُدَّ أن تقع.

تأملوا الطفل الذي يذهب في أول يوم إلى المدرسة.

كم من الدموع يذرف؟

كم يصيح، ويرفض المدرسة؟

كم يرفض الأكل والشرب، ويستنجد بوالديه، لكي يأخذوه إلى البيت، لينام دافئاً في حضن أمه؟

لذا كان من المتوقع أن تحدث هناك بقع سوداء من قبل التيار الديني- خصوصاً للأسف الشديد- في ثوب الانتخابات الرئاسية المصرية الناصع البياض. وهي بقع توقعناها، في مجتمع فقير، ومحتاج، وقصَّرت الدولة السابقة تقصيراً كبيراً، في رفع جزء من معاناته الحياتية اليومية. لذا، فهو لا يعف عن هدية، أو عطية، أو مكرمة، من إحدى الجهات المشتركة في الانتخابات، لاستمالته، وضمان صوته، إلى جانب هذا المرشح أو ذاك. وهذا ما حصل، كما كان متوقعاً، ولكن هذه المرة على نطاق ضيق، مما يثبت، أن المصريين قد بلغوا سن الرشد السياسي، وأنهم رغم فقرهم، وحاجتهم، وعوزهم، لن يغيروا قناعاتهم.

تجاوزات رصدتها منظمة

«حرة نزيهة»

وقد نقل أحد المواقع الإلكترونية على الإنترنت عن الصحافيات: سارة جمّال، وأسماء صبري، ونها فوزي، أن المراقبين من منظمة "حرة نزيهة" المصرية للمراقبة على الانتخابات الرئاسية المصرية، رصدوا عدداً من التجاوزات في اليوم الثاني للعملية الانتخابية، وكانت أبرز التجاوزات، التي وقعت تأخر فتح اللجان صباحاً، والتأثير على الناخبين، وإدلاء منتقبات بأصواتهن نيابة عن ناخبات أخريات، فضلاً عن توزيع كميات من السكر، والزيت، واللحم. وهي نتيجة متوقعة، لأن السلفيين والأصوليين، يخوضون انتخابات رئاسية "حرة ونزيهة: من هذا القبيل، لأول مرة في تاريخهم، وتاريخ مصر، وتاريخ العرب كذلك.

ورصد مراقبون آخرون، تحذير أنصار حزب "الحرية والعدالة" (الجناح السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين") من استخدام أقلام اللجان الانتخابية، وإعطائهم أقلاماً غيرها (وهذه مخالفة للقانون الانتخابات). كما قاموا بإعطاء الناخبين "شنطاً" فيها بعض المواد الغذائية، واللوازم المدرسية، ووجهوهم لانتخاب مرشحهم الشيخ محمد مرسي، الذي واجه منافسة شديدة من مرشحي التيار الديني الآخرين.

فول وعدس وزيت!

كما رصد مراقبون، أحد أنصار المرشح محمد مرسي وهو يوزع لحوماً، وسكراً، وفولاً، وعدساً، وزيتاً على الناخبين. كما شهدت لجنة قيام ناخبات منتقبات من أنصار أبوالفتوح بأخذ بطاقات الرقم القومي من الناخبات، ومنعهن من الإدلاء بأصواتهن، والتصويت لمصلحة مرشحهن، وعدم قيام القاضي أو الموظفين بكشف النقاب عن وجوههن.

ورصد مراقبون آخرون، قيام أنصار مرشح جماعة "الإخوان المسلمين" محمد مرسي بتخصيص "ميكروباصات" لنقل الناخبين إلى لجان انتخاباتهم.

بين الأمس واليوم

كانت الانتخابات في السابق، بشتى أشكالها تجري في مصر- وفي العالم العربي- مصحوبة بالعطايا، والهدايا، والمطايا، كما جرت في مصر في الأمس. وهي سُنَّة حتى في الدول المتقدمة. ولكن ما لم يحصل في الأمس في مصر، أن لا تزوير في الانتخابات الرئاسية، كما كان يتم في الماضي. بمعنى أن لا استبدال لصناديق الاقتراع بصناديق "جاهزة الاقتراع"، وأن لا أصوات لقوائم الموتى، كما كان يجري في الماضي.

وليس هناك من يفوز بنسبة 99.999% كما كان يجري في الماضي. وليس هناك مرشح واحد فقط، كما كان يجري في الماضي.

وليس هناك نتائج مسبقة ومعروفة.

كل هذا لم يحصل في الأمس.

ولكن ما حصل بقعة سوداء صغيرة في الثوب المصري الانتخابي الرئاسي الناصع فقط.

* كاتب أردني