أكاد أجزم أننا مقبلون على كوارث جديدة أكبر من تعليق مصير البلد بيد أغلبية نيابية "دكتاتورية"، وحكومة قابلة للتمدد إلى أقصى مدى فوق لهيب تلك الأغلبية، فمادام كل شيء قابلاً للمساومة، وكل ثابت محصناً بالدستور، والقانون والأعراف معرضة للفك والتوزيع في مزاد يوم الثلاثاء تحت قبة "عبدالله السالم"، فأبشروا بالخير.

Ad

الموضوع من "أوله لآخره" سياسة في سياسة، لا أخلاق ولا دين ولا قضاء ولا أدلة ولا نظم متبعة، كلها سياسة وتفكير "شبقي" في البقاء والفوز بالانتخابات القادمة من أجل التحضير للانتخابات التي تليها، وحكومات موديل (2006- 2011) صنعت النموذج المطور من أبطال الورق المقوى على حسابها وحسابنا، ومن عمرها وعمرنا؛ حتى فنيت وفني أيتامها، وبقي أبطال الورق ينهشون في كل عفيف ويقتلعون كل شريف.

في واحدة من صور انهيار الدولة نرى السياسيين خصوصاً من الطرف الحكومي لا يريدون الإنصات إلى مخاطر العبث في موازين العدالة الاجتماعية بين المواطنين، وأنا هنا أعني أزمة الكوادر التي انفجرت ثم عولجت لدى "المجبر"، ثم انفجرت من جديد أقوى وأعنف، لأن الحكومة كعادتها تعاملت مع تلك القضية برأيين؛ رأي فني وقانوني يسترشد بقيم العدالة والمساواة وأرقام الميزانية وأسعار النفط، ورأي ثان يفاوض بالسر ويعد بما لا يملك ويعطي ما ليس له، هذا النوع من العبث لا يتوقف عند حد معين لأنه يعيد إنتاج نفسه مرة أخرى.

أزمة الكوادر انتهت ظاهرياً لكن توابعها امتدت لتصل إلى مواقع أخرى تريد "الغرف" من المميزات المالية التي هبطت على ناس وناس، وآخرها مساواة خريج كلية الشريعة بخريج كلية الحقوق؛ لأن الأول طمع في مسمى باحث قانوني، ولأنه وجد في المرحلة الحالية "مرحلة ذهبية" مشحونة بالجهل والمهادنة والمزايدات الانتخابية.

إن أكثر من يعانون حساسية في مسألة التخصصات هم طلبة الشريعة، ويا ويل من يتحدث في أمور الدين بوجودهم لأن ردهم جاهز: أنت لا تمتلك شيئاً من العلم الشرعي، ومع ذلك نراهم يقاتلون باستماتة للحديث في علم لم يدرسوه وفقه لم يألفوه، فكيف تحلّون لأنفسكم ما تحرمونه على غيركم؟!

سأحكي لكم حكاية قصيرة: في أواخر السبعينيات فصلت الشريعة عن كلية الحقوق، والموضوع كما أسلفت سياسة في سياسة، كان القصد في حينها "توضيب" البيت الكويتي وفق رؤية شاملة لتيار الإسلام السياسي، يومها أهل الحقوق فرحوا بالفصل، وأهل الشريعة سعدوا بمصنع الكوادر الحزبية الذي غنموه من سياسة الحكومة "الساداتية" آنذاك، القصد لقد كانت الشريعة مع الحقوق كلية واحدة وتم الفصل بينهما، واليوم مجلس الخدمة المدنية أعاد الفرع إلى الأصل "مادياً" فقط، أما "علمياً" فطالب الشريعة لا يدرس مواد القانون الإداري وتنازع القوانين والمرافعات وسلسلة طويلة من المقررات التي تعتبر منظومة معارف متكاملة، ومع ذلك يحظى بمسمى باحث قانوني!

الفقرة الأخيرة:

خسرت بعض مؤسسات الدولة ملايين الدنانير بسبب ضحالة مستوى بعض القانونيين... أرجوكم لا "تعمونها" أكثر.