أين المنطق؟
أين المنطق والعقل أن نقبل لرجالنا بهيئة رجل الغاب أو الصحراء الأشعث الأغبر، وهيئة المرأة المسربلة بالسواد، تاركين ما أنعم الله علينا به من أدوات النظافة والحلاقة والتجميل والتعامل الحضاري بيننا؟لماذا انتقينا من الماضي البعيد أسوأه وتركنا هذه المخترعات ووسائل الحياة الممتعة لكي نثبت، لا أعرف لمن، أننا نمشي على خطى الغابرين؟
لماذا يتنافى تعبدي وتديني وعلاقتي بخالقي مع عيش الهناء والسعادة الدنيوية؟لماذا حين نشتهي نحلل ما نريد وفعلنا هذا باستخدام وسائل الغرب "الكافر" كافة، فنحن نحج بالطائرات والسيارات وغيرها من وسائل المواصلات الحديثة، لكننا نجد في صلاة العراء وفي الحر والغبار قبولاً أكبر لصلاتنا؟لماذا سطرنا آلاف المقالات والأحاديث لتحريم زواج المتعة لنأتي بما هو أسوأ منه في الزواج بنية الطلاق والمسيار والعرفي وعشرات من اختراعات المعاشرة غير الزوجية، في الوقت الذي نصب جام غضبنا على الغرب المحتل ونحرم الاختلاط في مقاعد البحث والدراسة؟لماذا هذا التناقض والانفصام بين ما نرغبه ونستطيع أن نفعله بدون الدخول في الحرام، وبين التمسك بالمظاهر وقهر النفس لنخرج من بلادنا وفعل ما نريد ما دام ليس رقيب؟لماذا نزرع النفاق في نفوس أبنائنا وبناتنا وهم يرون ما نفعل وقت الصلاة وما نفعل قبلها وبعدها مما يتناقض وقيمة الصلاة وأهدافها؟ كيف ينشأ جيل مسلم نظيف وشريف وهو يرى كيف تجمع أموال المسلمين لغرض نبيل وتصرف في أغراض أبعد ما تكون عن فعل الخير؟كيف نبني مجتمعاً خالياً من الأمراض النفسية والابتسامة محرمة واللهو البريء ممنوع ويحسسونك باقتراف جريمة إن سمعت الموسيقى أو قلت نكتة أو ضحكت بصوت عال؟كيف نطمئن إلى وحدتنا الوطنية وهناك من يحدد من هو المسلم ومن هو الصالح لهذا العمل أو ذاك بناء على الهوية المذهبية؟ بل كيف نطمئن إلى أبنائنا وهناك من يلقنهم أسباب ونتائج خلاف المسلمين بعد وفاة الرسول العظيم قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام ليظلوا في خلاف وشقاق حتى يومنا هذا؟ أين العقل والمنطق في التحزب والتعصب لهذا الطرف أو ذاك وكلهم انتقلوا إلى رحمة ربهم قبل 14 قرناً؟كيف نطمئن إلى مستقبلنا ونحن نرى من لا يرى حدوداً للبلاد ولا علمها ولا نظامها ويرى في الناس كفراً لا يؤهلهم في البقاء على أرض الله؟ لماذا هذا النكوص إلى الماضي بكل سيئاته وترك ما أنعم الله علينا به من علوم ونظم ووسائل حديثة أبدع صنعها العقل الذي ميزنا به خالقنا لكي نتغير ونغير للأفضل ولمزيد من الراحة والمتعة للناس؟ لماذا هذا الحب للتقشف والتعب والجهد الضائع في تصرفات عفى عليها الزمن، بينما نستطيع أن نؤدي عباداتنا وأعمالنا ونحن في أكمل نظافة وأجمل لباس وأجمل صورة؟هل ندخل الجنة بأشكالنا أم بأعمالنا؟ هل العبادة مقصورة على صلواتنا أم أن العبادة هي تكريم هذا العقل الذي تميزنا به واستخدامه لمصلحة النفس والغير؟ هل مخترع السواك أفضل عند الله من مخترع الطائرة؟لماذا نتعامل مع الدين والعبادات والمعاملات وكأننا لا زلنا ذلك العدد المحدود من البشر والمكان في عهد الرسول العظيم في مكة والمدينة؟لماذا زادت الناس وكبرت دولها وتعقدت وتضاعف عدد المسلمين إلى مئات الملايين في كل نواحي المعمورة والبعض يريدنا أن نتصرف وأن نتحرك ونتعامل كما كان يفعل أهل مكة والمدينة قبل 14 قرناً؟ أين العقل في كل هذا؟ للأسف الشديد، إن القيادات الإسلامية كافة تدرك كل هذا ولكنها لا تعرف كيف تقود ولا أن تحكم إلا إذا أشاعت الجهل والفرقة بين الناس. يريدون خرافاً تتبع وليس عقولاً تسأل وتبدع وتختار بحرية ما يمليه عليها ضميرها. إنهم لا يريدون أحداً أن يفكر ويناقش ويقبل هذا ويرفض ذاك. يقنعون الناس بأنهم من يعرف وأن على الناس السمع والطاعة. لا يلجأون إلى الإقناع ولكنهم يعرفون كيف يلغون عقول الناس ويرهبونهم ليكونوا طوع أوامرهم وتحت السيطرة الكاملة لهم. وإلا كيف يمكن أن تقبل امرأة بالبحث عن زوجة أخرى لزوجها إلا إذا كان عقلها لم يعد موجوداً أو تم تدميره بالكامل؟ أين المنطق فيما يحدث فينا ولنا؟ هل ترون كيف يستفز الناس عند أول كلمة من أي طرف في الاتجاه الآخر؟ وكيف أننا في الاتجاه إلى حرب داخلية يقودها الجهل والعمى والتعصب دون أن نسمع صوتاً واحداً يعيد إلينا عقولنا؟ فهل ننتظر حتى يدمروا حياتنا؟ ألم يحن الوقت لنتكلم ونقارع تلك الأفكار والتصرفات بالعقل والعلم والمنطق؟