لم يعد من المقبول أن نردد مقولة: إن بقاء نظام الأسد هو "أهون الشرين"، فالمجزرة الأخيرة في "الحولة" تقطع بأن نظامه هو أسوأ الشرين، وليس هناك فرق بين ما حدث في "الحولة" وبين السابقة التاريخية في حلبجة العراق، فالجريمتان يمكن اعتبارهما من جرائم "جنو سايد"، أي القتل الجماعي الذي لا يفرق بين المدنيين والعسكريين والأطفال والنساء.

Ad

الصور التي نشرتها وسائل الإعلام تخبرنا بحجم وحشية النظام، هذا النظام الذي يدفع التهمة عن نفسه باتهام المقاومة الشعبية، فأين تكون مصلحة الجيش السوري الحر في مثل هذه الجريمة؟ بل لو كانت أصابع الاتهام تؤشر إلى مجرمي القاعدة فهنا أيضاً ليس لهؤلاء المهووسين دينياً أي مبرر أو دافع "للحلبجة" الأسدية.

الخوف المشروع أو غير المشروع من أن غياب نظام الأسد سيفتح الباب للحرب الأهلية بشكل عام، وستكون الأقليات الدينية هي أكبر ضحايا مثل تلك الحرب لم يعد مقبولاً لاستمرار المجازر، فسورية تحيا حرباً أهلية حقيقية، وإن كانت في بداياتها، وإن كانت بين طرفين غير متكافئين، فالنظام يملك الدبابات والطائرات، والطرف الآخر ليس لديه سوى الأسلحة الخفيفة، لكن لو انقلبت الأمور، وهذا لن يكون إلا بتدخل خارجي من حلف الناتو، فإنه يمكن تصور أن مقدار العنف الذي مارسه نظام الأسد سيكون له رد فعل بحجمه ومقداره من أهالي وأقارب ضحايا الأمس، وسيدفع الثمن في النهاية طوائف العلويين والمسيحيين وبقية "الموزاييك" السوري، والكثير منهم أبرياء من جرائم نظام يجعلهم حجة للاستمرار كما يشاء في الحكم.

هل يعد هذا عذراً لبقاء النظام الستاليني الأسدي إلى ما شاء الله! طبعاً لا، ولا كبيرة، فكلما امتد عمر النظام في الحكم سنشهد المزيد من "الحلبجات" السورية، لكن في الحلبجة السورية الضحايا لا ينتمون إلى أقلية كردية كما كان عراق صدام، وإنما للأكثرية السنية، ولنا أن نتصور في الغد حجم الشرور التي ستخرج من صندوق "بندورا" السوري.

تسليح المقاومة السورية ليس الحل، فهذه المقاومة غير متفقة بين العسكر (الجيش السوري الحر) وبين المثقفين المنفيين برئاسة المفكر برهان غليون، ولا يبدو أن للاثنين تصوراً مشتركاً للمستقبل السوري غير إزالة النظام، لكن بعد ذلك، ماذا سيكون الحل، ومن البديل؟ فسورية ليست تونس كمثال يحتذى به، وليست مصر وليست اليمن ولا ليبيا، هي قلب الوطن العربي بكل تناقضاته وطوائفه التاريخية، ولا يمكن أن نتخيل سورية وقد أصبحت صومالاً أو يمناً جديدين، فأي إصابة في هذا القلب ستمتد بلا شك إلى بقية الجسد العربي... الضغط على النظام من المجتمع الدولي يجب أن يتزايد، والمساعدات الإنسانية للضحايا يجب أن تتضاعف، ونستغرب هنا طول الحديث الرسمي والشعبي عن المساعدة للشعب السوري، بينما أبواب الفيزا مغلقة في وجوههم، لاعتبارات أمنية كما يبدو، لكن هذا لا يمنع من الاستثناء لاعتبارات إنسانية. يبقى الأمل أن تتوحد وجهات النظر في حل معقول للمستقبل السوري بعد تنحية النظام "الجملكي" (تعبير سعد الدين إبراهيم عن الجمهوريات التوريثية) ويمكن تصور أي نظام بديل بشرط ألا يحيل سورية إلى دولة دينية أو طائفية، وهذا صعب والطريق إليه طويل في منطقة تضج بتاريخ ممتد بالطوائف والإثنيات العرقية المتناحرة، لكن هذا هو حال "الأمة" العربية المتشظية إلى أمم وقبليات وطوائف ليس لها أول ولا آخر.