وول سوينكا: نوبل الآداب جعلتني أكثر بؤساً
مع كل موسم من مواسم «نوبل الآداب»، تكثر الأسئلة التي توجه إلى الفائزين بالجائزة في المواسم السابقة ودورها في الأدب والثقافة وحتى السياسة، حتى باتت «نوبل» متحف الأسرار والرسائل الأدبية والسياسية، وسواء أكنا معها أو ضدها فهي تساهم في تحريك المستنقع الأدبي، وتفتح الجدل في أكثر من اتجاه.
رافق فوز الصيني مو يان بجائزة «نوبل الآداب» 2012 جدل واسع، فالسلطة الصينية تعتبره «مثيراً للغيظ» بينما يراه «المنشقون» «لصيقاً بالسلطة»، خصوصاً حين رحبت الصحف الرسمية به واعتبرت أنه الصيني الأول الذي يفوز بالجائز على اعتبار أن الفائز السابق بها جاو كيسنيغيان منشق ويحمل الجنسية الفرنسية. عدا عن هذا الجدل، كان لافتاً تصريح أدلى به الروائي والمسرحي النيجيري وول سوينكا، فهو رغم مرور 26 عاماً على تسلّمه «نوبل الآداب»، لا يزال يقول إن الجائزة أضرّت بحياته، مؤكداً خلال لقاء أجري معه في فندق بمدينة زالابا المكسيكية، حيث كان قد حلّ ضيفاً على مهرجان «هاي فيستيفال»، على أن الجائزة «جعلته أكثر بؤساً».
هجاءفاز سوينكا بالنوبل عام 1986 لامتلاكه مخزوناً منتجاً من الكلمات والتعبيرات التي يسخرها كاملة في حواره الذكي بالهجاء، في شاعرية هادئة ومقالاته ذات الحيوية المتدفقة. ولم يوضح ما الأضرار التي لحقت به بسبب الجائزة ، ولماذا جعلته أكثر بؤساً؟! قد يكون ذلك ناتج من مزاجه الشخصي، إذ إن حياته قائمة على مسار تعكر الجوائز صفوها ولا ترضيه على عكس الكثير من الكتاب العرب الذين يصلون في الليل والنهار كي يُذكر اسمهم ضمن المرشحين للجائزة. فثمة شعور بالدونية لدى بعض الكتاب تجاه جائزة اسمها نوبل، وقبل كل شيء العين على مبلغ قدره نحو مليون دولار.الجيد في سوينكا أنه يقول رأيه في «نوبل» من منطلق الرجل عاشق الكتابة وتأثيراتها وله مواقفه في الأمور كافة، من السياسة إلى الأدب إلى الحياة العامة. يقول كلمة نقدية حول «نوبل» ودورها ليقول أموراً كثيرة حول الثقافة في العالم إلى جانب الاقتصاد المنهار والمخدرات المنتشرة من المكسيك إلى بلدان أخرى. سوينكا المولود في أبيوكوتا والذي تشرّب ثقافة بلده الأصيلة، إلى جانب إكمال دراسته في إنكلترا، يقرّ بأن كتاباته متأثرة بعشرات من الثقافات، «منذ اللحظة التي تتعلم فيها القراءة، ثمة أناس يكتبون. وعندما تشرع في مدّ جسور علاقة مع الفن، ثمة فنانون آخرون يبدعون، بينهم الكثير من أوجه الشبه، إلاّ أنني حاولت باستمرار أن أوجّه عملي نحو ثقافة بلدي».معارض الاستبدادرغم أنه أمضى سنواتٍ عدة خارج أفريقيا، فإن مؤلف رواية «المفسرون» لا يتردد أبداً في الإشارة إلى مكان إقامته الدائم في نيجيريا. ولا يزال يعيش هناك حتى يومنا، مؤكداً على أن تجربته خلال المنفى لم تغيّر شيئاً من مواقفه حول المشاكل التي يعانيها.سوينكا أحد أشد المعارضين للإدارات النيجيرية والمستبدين السياسيين في شتى أنحاء العالم ومن بينهم نظام الرئيس روبرت موغابي في زيمبابوي. وقد شهد عام 1967 أول تصادم بين سوينكا والسلطات النيجيرية بعدما اعتقلته حكومة الجنرال ياكوبوجوين الفيدرالية ووضعته في الحبس الانفرادي لسعيه إلى التوسط لعقد اتفاق سلام أثناء صراع البايفران. وقد أمضى 22 شهراً في السجن قبل الإفراج عنه بعد استهجان دولي واسع.عند سؤاله أخيراً عن دوره اليوم في نيجيريا يهزّ كتفيه قائلاً: «لطالما كان الدور نفسه وهو ضمان صوت المواطن في تحديد مصير وطنه. وهو الأمر الذي لم يكن يوماً بالهين. ففي بداية تسعينيات القرن الماضي ترك سوينكا وطنه خوفاً علي حياته».وفي كتابه «الجرح المتقرح لقارة» يصور أحوال نيجيريا تحت حكم الديكتاتوريات العسكرية والذي وصل إلى حد سحب جواز سفر سوينكا في عهد الجنرال الراحل ساني أباتشا. وفي العقود الأخيرة، أمضى حائز «نوبل» معظم أيامه في الولايات المتحدة حيث كان أستاذاً في جامعة إيموري في أتلانتا ثم أستاذ كرسي إلياس غانم للكتابة الإبداعية في جامعة نيفادا في لاس فيغاس. وعند عودة الحكم المدني إلى نيجيريا عام 1999، قبل سوينكا منصباً فخرياً في جامعة إفي (جامعة أبافيمي أولو حالياً) بشرط أن تحظر الجامعة اختيار عسكريين سابقين في منصب المستشار. وفي العام الماضي، افتتح في مركز نيميير في مدينة أفليث الإسبانية معرضاً يشكّل ردّه الأخير على البربرية الاستعمارية والحربية. ولعل من أجمل أقوال سوينكا: «ثمة الكثير من الأدباء والمثقفين كلفتهم شعوبهم بمهمات التعبير عنها سياسياً... لكن هؤلاء كانوا مصدر خيبة لتلك الشعوب... لأن السياسة تفسد المثقفين».