لماذا يفوز أوباما؟

نشر في 06-10-2012
آخر تحديث 06-10-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت اشتهر جيمس كارفيل، كبير الاستراتيجيين في حملة بيل كلينتون الرئاسية عام 1992، بعبارته التي أظهرت قدراً كبيراً من الحكمة الراسخة من قِبَل عالم ببواطن الأمور عندما تحدث عن الفوز بالانتخابات قائلا: "إنه الاقتصاد يا غبي". إن القائمين على الحكم يفوزون بالانتخابات عندما تكون التوقعات الاقتصادية وردية، ويتعرضون للخسارة- كما كانت حال جورج بوش الأب- في أوقات الشدة. وفي أنحاء أوروبا المختلفة- فرنسا واليونان وإيرلندا والبرتغال وإسبانيا والمملكة المتحدة- خسرت الحكومات السلطة في مواجهة أزمات بدت عاجزة عن معالجتها.

وبهذا المعيار فلابد أن يكون الرئيس باراك أوباما الآن في موقف يائس. فوفقاً لبيانات التعداد السكاني في الولايات المتحدة، انخفض دخل الأسرة عام 2011 للعام الرابع على التوالي. ولاتزال البطالة مرتفعة بثبات، على الرغم من حزمة التحفيز التي بلغت قيمتها 787 مليار دولار عام 2009، ولاتزال أسعار المساكن، رغم تعافيها ببطء، أدنى كثيراً من الذروة التي بلغتها قبل عام 2008.

ورغم هذا، يبدو من المرجح أن يعاد انتخاب أوباما في نوفمبر. ومن بين الأسباب وراء هذا أنه لا توجد طريقة يمكن الاعتماد عليها لإصدار حكم فوري بشأن الفعالية الاقتصادية، ومن الواضح أن التركة التي ورثها أوباما- الوصول إلى السلطة في خضم كارثة اقتصادية ومالية كبرى- تشكل أهمية كبيرة في هذا السياق. ومن الواضح أيضاً أن جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون كانا أكثر مسؤولية عن الأزمة المالية من خليفتيهما، اللذين كان لزاماً عليهما أن ينظفا الفوضى ويزيلا الأنقاض.

وكما رد تشو إن لاي عندما سأله هنري كيسنغر عن آثار الثورة الفرنسية فقال: "من المبكر جداً أن نجزم الآن" (ولو أن تشو إن لاي تصور كما يبدو أن كيسنغر يسأله عن الآثار الناجمة عن انتفاضة الطلاب في باريس عام 1968). إن تتبع العواقب المؤكدة للتدابير السياسية أو الإصلاحات المؤسسية -وتخمين المدى الزمني الذي قد "تؤتي ثمارها" بعده- أمر بالغ التعقيد. وهناك أحداث كثيرة أخرى. فما كان لأوباما أن يعلم بأن الأزمة في أوروبا قد تخلف مثل هذا التأثير الضخم على البنوك الأميركية، ولم يكن بوسعه أن يقوم بأكثر مما قام به بالفعل لحمل زعماء أوروبا على حل مشاكلهم.

إن نجاح الاقتصاد في الأمد البعيد، وقدرته على بناء الثروة وخلق فرص العمل، يعتمد على مكاسب الإنتاجية، والتي تعتمد بالتالي على الإبداع الفني والتنظيمي. ولا تستطيع الحكومة أن تستحضر كل هذا بالتلويح بعصا سحرية.

ولكن الحكومات قادرة على التأثير في تطور الإنتاجية. وهنا تبدأ المناقشة المشروعة، لأن التحرك الفوري لإنقاذ الوظائف لا يساعد بالضرورة.

فقد يحول النوع الخطأ من التحفيز دون نمو الإنتاجية في المستقبل من خلال توجيه العمال إلى النوع الخطأ من الوظائف (أو إبقائهم هناك). فالمشاريع العامة الضخمة، خصوصاً عندما تهدف ببساطة إلى إعادة أكبر عدد ممكن من العمال في أسرع وقت ممكن إلى العمل، لابد أن تؤدي إلى نقص في اليد العاملة المتاحة لوظائف أكثر إنتاجية.

في ثلاثينيات القرن الماضي، حاولت بعض الحكومات اكتساب الشعبية من خلال برامج الأشغال العامة الضخمة. وقد دفع جون ماينارد كينز وتلامذته بفكرة مفادها إن حتى المشاريع غير المجدية ظاهرياً مثل بناء الأهرامات في مصر القديمة منطقية. وقد أعربت جوان روبنسون، إحدى تلامذة جون ماينارد كينز في كمبريدج، عن قلقها بشكل خاص لأن هتلر أدرك هذه النقطة بسرعة أكبر من الحكومات الديمقراطية. فقد حل هتلر، كما قالت، مشكلة ألمانيا من خلال "طلاء الغابة السوداء باللون الأبيض وفرش الرواق البولندي بالمشمع".

الواقع أن زيادة الإنفاق، التي اعتبرها أتباع كينز ببساطة سبباً لتعزيز الطلب الكلي، أسفرت عن تشوهات. فتحت زعامة هتلر تحول الاقتصاد الألماني في الثلاثينيات إلى آلية أقل إنتاجية من أجل التصنيع السريع للأسلحة والسلع الرخيصة، ولا يصلح هذا أو ذاك للاستخدام في اقتصاد السوق.

ولم يكن سوء تخصيص الموارد على هذا النحو مجرد أمر مزعج من فترة ما بين الحربين. فلم تكن طفرة البناء الكبرى أثناء السنوات السابقة لعام 2008 في إسبانيا أقل ضرراً من ارتفاع معدلات البطالة في الفترة التالية، لأنها شجعت جيلاً من الشباب على الالتحاق بوظائف مجزية تتطلب مهارات متواضعة في صناعة البناء.

ولكن السماح للأزمة بالاستمرار ببساطة خيار رهيب. فالنوبات الشديدة المطولة من البطالة الواسعة النطاق مدمرة، لأنها تؤدي إلى تآكل القاعدة المهارية للاقتصاد، وتقوض الإمكانات البشرية، وتهين الكرامة الإنسانية.

وبالتالي فإن السياسة الحكومية لابد أن تخضع لاختبار أطول أمداً: فما مدى فعالية تمكين المبادرة وتطوير المهارات؟ ولكن الإجابة على هذا السؤال ليس لماذا يهلل الخبراء لأوباما. فهم يهللون له لأن الأسواق المالية تهلل في أعقاب إعلان بنك الاحتياطي الفدرالي أخيراً عن مزيد من برامج التحفيز.

ورغم أن الأدلة التي تشير إلى أن التحفيز النقدي يؤدي إلى زيادة الاستثمار وتحسين عائد العمل غير مكتملة، فإن تأثيره في الأسواق المالية وأسعار الأصول يسهل توثيقه بسرعة. ذلك أن أسعار الأصول تخلق "تأثيرات الثروة" التي تحدد مدى شعور الناس بأنهم ميسورون مالياً. وفي حين يراقب العديد من الأميركيين بلهفة الأداء الشهري لخطط التقاعد الخاصة بهم، فإن الإحصائية الاقتصادية الوحيدة المهمة هنا هي أن مؤشر "ستاندرد آند بورز- 500" عاد إلى مستويات ما قبل عام 2008.

ونتيجة لهذا فإن الدرس فيما يتصل بارتباط الانتخابات بالاقتصاد يخضع الآن لإعادة الصياغة بمهارة. فلم يعد العنصر الحاسم هنا هو الحالة الحقيقية للاقتصاد، بل تصور أسواق الأصول له. وهذا التصور قد يكون بعيداً تماماً عن الواقع، وهذا يعني أنه كلما أضفت الحكمة السياسية السائدة على الاقتصاد مزيداً من الأهمية الانتخابية، كلما كان الإغراء أعظم للنظر إلى تأثير السياسة النقدية على أسعار الأصول، وليس النمو في الأمد البعيد، باعتباره العنصر الحاسم في الأمر.

ونتيجة لهذا فإن مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) في أميركا لابد أن يكون مسيساً. وسيعزو الجمهوريون هزيمتهم في نوفمبر إلى حوافز الاحتياطي الفدرالي النقدية (إن لم يكن إلى عدم فعالية حملة ميت رومني العامرة بالأخطاء الفاضحة).

ومن ناحية أخرى، في أوروبا، قد يستنتج العديد من الزعماء الوطنيين الذين يتطلعون إلى أوباما والاحتياطي الفدرالي أن أداءهما قد يكون أفضل من خلال فرض المزيد من السيطرة المباشرة على البنوك المركزية. ونظراً لصعوبة فرض مثل هذه السيطرة على البنك المركزي الأوروبي، فإن التحدي الكبير التالي في مواجهة اليورو قد يكون المشاعر المتنامية لمصلحة العودة إلى العملات الوطنية.

* هارولد جيمس | Harold James ، أستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة برينستون، وأستاذ التاريخ في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، ومؤلف الكتاب الصادر أخيراً بعنوان "كروب: تاريخ الشركة الألمانية الأسطورية".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top