من سذاجات نواب الأغلبية ومناصريهم التصور بأن كل من لا يتفق مع نهجهم ومطالباتهم إما قبيض حكومي وإما أن لديه نقصا حادا في الولاء، وبحاجة ماسة إلى جرعة «وطنية» يقدمها له المتجمهرون في ساحة الإرادة، ممن احتكروا حب الوطن والحرص على مصلحته ناعتين كل من يخالفهم أو ينتقدهم بالقول والعمل بالنية السيئة والاتهامات التي لا دليل عليها ولا برهان!

Ad

وكنت ممن انتقدوا أغلبية 2012 في مقالاتي الأخيرة نقداً أردت به المصلحة العامة، دفعني لذلك ما رأيت منهم من مبادئ وأفكار لا أتفق فيها معهم، ويستطيع أي منكم أن يراجع كل ما كتبت في هذه الجريدة من مقالات، وأتحداه أن يجد سطراً واحداً مدحت فيه الحكومة أو ابتغيت مرضاتها، إنما خلافي معهم بالتوجهات والرؤى والأفكار بعيداً عن أي منفعة أو مصلحة شخصية، وأظن أن معظم من ينتقدون هذه الأغلبية يشاطرونني النية الحسنة والرغبة الصادقة بالإصلاح، وربما حمل أحدهم في قلبه حباً وإخلاصا للوطن يفوق كل من تجمهر في ساحة الإرادة دون أن يملأ الأرض ضجيجا ليثبت ذلك!

ولا شك أننا متفقون مع الأغلبية على سوء الحكومات المتعاقبة وتخلفها وعدم تلبيتها الحد الأدنى من الطموحات، وأنها بحاجة إلى نفضة شاملة يتم فيها ضخ الدماء الجديدة من الشخوص والأفكار والأساليب لإحداث تغيير إيجابي، وأن هناك قصورا قانونيا ودستوريا يحتاج للكثير من العمل من أجل سد الثغرات التي يتم استغلالها من قبل الحكومة والنواب على حد سواء، نعرف كل هذا ونتفق معهم بضرورة التغيير لكننا نختلف معهم في الأسلوب والطريقة والنهج، وكذلك في تركيبة أعضائهم التي ينطبق عليها المثل القائل «فاقد الشيء لا يعطيه»!

فالأغلبية التي دأبت على نعت الحكومة بالفشل هي ذاتها التي تخسر أمامها دوما بالقانون والدستور 10- صفر، فلا تجد لها من وسيلة سوى الصراخ في ساحة الإرادة لأنها تدرك أنها أقل قدرة على مواجهتها قانونياً ودستورياً، وأنها في واقع الأمر أكثر فشلا من الحكومة، وأعجز من أن تصنع أكثر مما تصنع لو أننا سلمنا أفرادها زمام الأمور في الحكومة النيابية أو المنتخبة كما يطالبون!

الأمر الآخر الذي يجعلنا نقف ضدها هو أنها في الحقيقة لا تمثل كافة أطياف الشعب الكويتي، فالشيعة منفيون ومرفوضون من قبل الأغلبية لأن معظم نوابها يغلب عليهم التعصب الطائفي، ولا أدل على ذلك من تصريحات النواب الطبطبائي والسلطان والوعلان الطائفية في الآونة الأخيرة، ناهيك عن توجهات محمد هايف وأسامة مناور التي لا تقل عن زملائهم شدة حين يتعلق الأمر بقضايا السنة والشيعة، ولذلك، من الصعب التصديق بأن المستقبل سيكون جميلا مع أناس يحملون أفكار وتوجهات تنظر للآخر بعين الريبة والشك لمجرد اختلافه المذهبي معهم!

وإن استثنينا دفاعهم عن المال العام، فإنني لم أر منهم ما يبشر بالخير، فهم ضد الحريات العامة، وضد الفن بكافة أشكاله، وضد حرية النشر والإعلام الحر، وضد الانفتاح على ثقافات الآخرين، وضد أي ترويح عن النفس بتسلية بريئة كصالات البلياردو ومقاهي الشيشة ومسرحيات الأطفال، والحق أنني لو خيرت بين أن يسرق مالي أو تسلب حريتي، لاخترت أن يسرق المال وتبقى الحرية، فكل أموال الدنيا لا تساوي لحظة حرية!

نعم، كلنا نريد أن يكون للشعب أغلبية برلمانية، لكننا نريدها أغلبية تمثل كل أطياف الشعب ولا تستثني منهم أحدا، أغلبية تعرف قيمة الحريات وتدافع عنها دفاعها عن المال العام، أغلبية يقودها العقل لا العاطفة، أغلبية تهمها المصلحة العامة لا البطولات الزائفة والمكاسب الشعبية، أغلبية تقرأ الواقع وتحاول تحقيق الممكن لا الخيالات والأحلام التي لا تتحقق، أغلبية تخاطب الحس الوطني للناخب لا مصالحه الآنية ورغباته الشخصية، هذه الأغلبية التي نريد والتي سنقف معها دوما ونساندها، لا أغلبيتكم الحالية، فهي تمثلكم لا تمثلنا، تتحدث عنكم ولا تتحدث عنا، تحقق آمالكم لا آمالنا نحن الذين جلسنا في بيوتنا ولم نحضر إلى ساحتكم، ولم نشارككم إرادتكم!