معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 56... للثقافة أحزابها

نشر في 16-12-2012 | 00:02
آخر تحديث 16-12-2012 | 00:02
مجموعة من الأفكار حول القراءة والكتاب والجمهور والمؤلفين في لبنان استقيناها من «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 56»، الذي يسدل ستاره اليوم على موسم آخر من التلاقي الفكري، حيث يمكن للزائر نسيان مقولة «العرب لا يقرأون» وطرح السؤال: «ماذا يقرأ العرب وأي كتاب يجذبهم ويشترون، عدا كتب الأبراج والطبخ؟!
معرض بيروت العربي الدولي للكتاب مشهد يتكرر سنوياً في المكان نفسه على أبواب عيدي الميلاد ورأس السنة، دور نشر كثيرة بسياسات مختلفة تنتج ما يمكن تسميته «بابل الكتب»، حفلات تواقيع من كل حدب وصوب، مؤلفون نجوم ومؤلفون مغمورون، فضلاً عن اجترار الحديث عن أزمة الكتاب والقارئ والشدّة والاقتصادية، وغلو صعود وسائل الاتصال الاجتماعية.

معرض البيال، الذي يقبع في صالة ضخمة مطلة على واجهة بيروت البحرية، طالب البعض بإعادته إلى الصالة الزجاجية في منطقة الحمرا، على اعتبار أنها مكان حيوي منتعش، خصوصاً في هذا الفترة، على النقيض من منطقة البيال المقفرة. ويترافق هذا الطلب مع «مشكلة» جديدة أضيفت إلى مشاكل المعرض وهي منع التدخين في الأماكن المغلقة بقرار من الحكومة اللبنانية، أي غياب عنصر الإغواء بالنسبة إلى كثير من الشعراء والكتاب. حتى إنك ترى المدخنين يجلسون عند مدخل المعرض وكأنهم مطرودون من المكان.

كتب سياسة

تزامن معرض بيروت مع أقامة معرض في بغداد تحدث كثر عن سوء التنظيم فيه، ومعرض في الدوحة قيل الكثير في شأن دعمه من السلطات الحاكمة، في حين أرخى الحراك السياسي في العالم العربي بظلاله على معرض بيروت في السلب والإيجاب. ولأن العارف بسياسة النشر، من دور وكتّاب وغيرهما، يجاري الأحداث في محيطه، لوحظ أن «الدار العربية للعلوم» اختارت شعار «ربيع العرب يثمر حرية... وكتباً»، وهي أطلقت هذا العام قرابة 20 عنواناً جديداً عن «الربيع العربي». أما «شركة الريس» فكتبت: «كتاب واحد لا يصنع ربيعاً»، ولوحظ أن هذه الدار ركَّزت اهتمامها على الجانب السياسي، فأصدرت مجموعة كتب سياسية تهتم في الشأن السوري مثلاً من مختلف جوانبه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فضلاً عن كتب حول أميركا وإيران وليبيا، في مقابل الشح في الإصدارات الأدبية، باستثناء بعض الروائيين، مع شبه غياب للإصدارات الشعرية.

كذلك الجمهور، الذي لطالما فضل الروايات بحسب دور النشر، يتوجه في خضم الحراك الثوري العربي اليوم نحو قراءة الكتب السياسية، وأبرزها عن دار «الساقي» كتاب «الانهيار المديد» لحازم صاغية الذي يتناول الربيع العربي، و{بإخلاص يا شباب» للكاتب السوري ياسين الحاج صالح متضمناً تجربة 17 سنة في السجون السورية، و{حين تستيقظ سوريا» لريشار لابيفير وطلال الأطرش عن دار «الفارابي». واللافت أيضاً في المعرض كثرة الكتب الصادرة حديثاً حول الملك السعودي الراحل فيصل بن عبدالعزيز.

 

دين وشعر

يلفت زائر المعرض الحضور الواسع للكتاب الديني – التراثي في أجنحة كثيرة، أمر يدرك حيثياته العارف في كواليس القراءة، فثمة عشرات من الجمعيات والتيارات السياسية الدينية التي تصدر كتباً موجهة إلى محازبيها، وتراها تحظى باهتمام ملحوظ ونسبة مبيع جيدة في المعرض مثل إصدارات «حزب الله» و{المشاريع الخيرية» والجماعات السلفية. في المقابل، تجد كتباً تتطرق إلى الدين بطريقة عقلانية ونقدية مثل كتب محمد شحرور الصادرة عن «الساقي» وكتاب «الشخصية المحمدية» لمعروف الرصافي عن «الجمل»، بالإضافة إلى كتب العلامة عبدالله العلايلي عن «الجديد»، وكتب لسيد القمني وخليل عبد الكريم.

الحركة الشعرية في المعرض أصابها ضمور فاضح. حتى الشعراء البارزون، أمثال شوقي بزيع ومحمد علي شمس الدين ومحمد العبد الله وجودت فخر الدين، لم يصدروا دواوين جديدة، في حين اقتصر الحضور الشعري على محاولات قليلة لبعض الأسماء الجديدة. ناهيك بأن شعراء كثراً اختاروا في السنوات الأخيرة طريق الرواية لأسباب ربما تتعلق بأحوالها المزدهرة راهناً، أمر بدا واضحاً في إصدارات «الآداب» و{الساقي» و{الفارابي» و{نوفل» و{الريس» و{الدار العربية للعلوم»، التي تسعى إلى تأسيس فرع للإبداعات الجديد. حتى «النهضة» التي برزت في السنوات الأخيرة كمهتمة بالإصدارات الشعرية قلَّصت من هذا التوجه.

أما دار «الغاوون» فما زالت مستمرة في الإصدارات الشعرية، إلى جانب الروائية، وقد أصدرت مجموعة جديد بعنوان «متحف الأشياء» للشاعرة سمر دياب التي كتبت فيسبوكياً: «يعني لو عم اقبض دولار دولار بمعرض الكتاب من كل واحد صوّر الوشم اللي ع ظهري من الجماهير، لكنت فتحت دار نشر خاصّة... ولا كأنّي كاتبة». واختارت «الجمل» بدورها مجموعة من الترجمات الشعرية بتوقيع الشاعر الراحل سركون بولص، ومجموعات لبعض الشعراء العرب.

ولم تتحرر الدواوين القليلة الصادرة من أعراس التواقيع الموسمية المفروضة على المؤلفين، والتي تشكل ربما الوسيلة الوحيدة لجمع ثمن طباعة الكتاب في مرحلة ترفض المكتبات حتى عرض الدواوين الشعرية. أكثر من ذلك، ربما يتحقق مطلب البعض الأقرب إلى الطموح بعودة المعرض إلى الحمرا، وربما ترتدي هذه التظاهرة الثقافية يوماً ما ثوب الرفاهية كما المعرض الفرنكوفوني. حتى إنها ربما تشهد ازدحاماً يساير ازدحام شوارع بيروت بالسيارات... لكنها لن تخلو يوماً من ظاهرة التواقيع، التقليد الذي يحاصر المؤلفين ويرضي أصحاب دور النشر، مع الأخذ في الاعتبار أن المؤلف الأكثر توقيعاً في المعرض يقوم مجده على العلاقات أو السلطة كما الوزير غازي العريضي، وحالات قائمة على الصداقة كما شعراء وروائيين كثر، وفي مرات نادرة على منطق ما يسمى كتاب «بيست سيلر» كما في «ظاهرة أحلام مستغانمي». باختصار، التواقيع شكل من أشكال الخداع يَسعد الجمهور به، وإن كان بعض المؤلفين يقدم كتباً تستحق القراءة. والأنكى أن جمهور الكتب الموقعة ليس من القراء إذا جاز التعبير، بل تراه أشبه بأحزاب تجتمع على هذا الشاعر أو ذاك الروائي.

أما بعض الكتب فهي كالأهرامات في حضورها لا تفارق أجنحة المعرض ولا تستنجد بتواقيع أو إعلانات، مثل «رأس المال» لكارل ماركس عن «الفارابي» بترجمة فالح عبدالجبار، وروايات رشيد الضعيف في طبعات جديدة عن «الساقي»، وروايات أمين معلوف وآخرها «التائهون». وطبعاً لا ننسى أبراج ماغي فرح وغيرها!

البارز أيضاً هذا العام غياب أجنحة بعض البلدان الخليجية الفارهة، وهي واجهات لم تعرض يوماً كتباً بل الأرجح أنها كانت تقدم مساعدات لإدارة المعرض فيما تتصدر الواجهة. كذلك تبدو المشاركة العربية ضئيلة باستثناء بعض الدور المصرية والسورية، فضلاً عن أجنحة عدة لصحف لبنانية تروِّج لأفكارها أو كتابها أو مواقعها الإلكترونية.

نعم العرب يقرأون، لكن قراءتهم تختلف عن قراءات الأوروبيين الذين يطالعون لأجل المتعة سواء في القطار أو خلال الرحلات، وعلى هذا لا عجب أن يشتري الأوروبيون من رواية واحدة مئات آلاف النسخ، فيما تبيع الرواية في العالم العربي مئات النسخ، ضمن توجّه يعود أولاً وأخيراً إلى الغاية من الثقافة والكتب نفسها.

back to top